ماهي العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند تشخيص المرضى ؟ وهل يجب أن يكون تركيزنا على المشاكل الجسدية فقط ؟ أم يجب أن تكون نظرتنا أوسع لتغطي بقية العوامل مثل أنشطة المريض اليومية، ودرجة تفاعله مع محيطه، وتأثير نفسيته وبيئته على صحته الجسدية ؟ والسؤال الأهم هل بإمكاننا جمع كل هذه العوامل في إطار واحد للاستفادة منها في التشخيص والعلاج ؟
أنشئت منظمة الصحة العالمية (WHO) نظام تصنيف سُمي بـ (التصنيف العالمي للصحة والإعاقة والوظائف الحركية) – (International Classification Of Functioning, Disability and health) والمعروف اختصارًا بـ (ICF)، حيث كان الهدف الأسمى من إنشاء هذا النظام هو جمع العوامل التي تؤثر على صحة المريض في إطار واحد، لتكون الصورة كاملةً لدى مقدمي الخدمات الصحية؛ ليصبح الطريق لتحديد المشاكل والأسباب واضحًا، وأيضًا لتتضح ملامح الخطة العلاجية.
حسنًا، والآن قبل أن نتطرق للجوانب العملية التطبيقية لهذا التصنيف، هنالك بعض الجوانب النظرية، والتي سنغطيها بشكل مختصر…
محتوى بث د.نور عبدآل مختصة في علاج الألم المزمن. ذكرت أهمية معرفة أبعاد الألم ومعرفة مدى تأثير جوانب الحياة وأهمية تطبيق النموذج الحيوي ,النفسي والإجتماعي في العلاج الطبيعي.
د.نور عبدآل@n_abdal مختصة في العلاج طبيعي ودكتوراة في الألم المزمن .
“أي شيء يمكن اكتشافه أو الوصول إليه من قبل الدماغ ويتعلق بمدى تأثير الألم على أنسجة الجسم لديه القدرة على تعديل الألم. يجب مراعاة جميع العوامل المساهمة في تكوين تجربة الألم“.
(Mr Alastair James Flett, APAM, FACP, 2014).
الألم من أكثر الشكاوى شيوعًا والتي قد تسبب إشكالاً للمصابين به. ولهذا أهدف وباستمرار إلى توسيع نطاق فهمي لعلوم الألم على أمل أن أتمكن من التعامل مع مرضاي وتثقيفهم حول الألم بشكل أفضل.
الغرض من هذا المقالهو تسليط الضوء على بضع نقاط قرأتها عن المصفوفة العصبية للألم ، والتي تعتبر جزءًا واحدًا فقط من اللغز عندما يتعلق الأمر بفهم التشريح العصبي والفيسيولوجيا العصبية للألم.
يعرف الألم بأنه “تجربةحسيةوعاطفيةبغيضةمرتبطةبتلفالأنسجةالفعليأوالمحتمل،أوموصوفةبمصطلحاتتمثلضرركهذا” (الرابطة الدولية لدراسة الألم ، 2014).
بعدما تعرفنا على نظريات الألم بشكلٍ إجمالي دعونا نقوم بقراءة التحليلات العلمية لأهم نظريتين طُرِحتا، نظرية ديكارت specifity theory مقابل نظرية بوابة التحكم gate control theory.
دعونا نُعرّج بشكلٍ مختصر على أهم مانصت عليه نظرية دكارت ونضعها تحت مجهر التساؤلات والبحوث العلمية.
↔ افترضت نظرية ديكارت كما تعلمنا سابقًا وجود نظام تحكم ثابت ومباشر بين الجلد متمثلًا بمستقبلاته الحسية وبين الدماغ، وقد قامت باعتبار الألم كحاسّة سادسة من الحواس الخمسة، والتي تتكون من جهازها العصبي المركزي والطرفي الخاص.

رسمة توضيحية تُبين مسار انتقال إشارات الألم حينما تتعرض نهايات الأعصاب الطرفية nociception إلى مُحفِّز.
بناءًا على الافتراضات السابقة ترتب مايلي:
– أن نهايات الأعصاب الطرفية في الجلد nociception مُصممة لتتفاعل مع نوع معين من المُحفزات الخارجية.
– المحفزات الخارجية آنفة الذكر يجب أن تُثير إحساس واحد فقط دائمًا وهو الألم.
– الألم دائمًا يساوي مقدار الضرر التي تعرضت له الأنسجة.
– لاألم بدون وجود ضرر عضوي.
بعد أن دققت العديد من البحوث في هذه النظرية وقامت بتحليلها وإسقاطها على أرض الواقع اكتشفت عدة نواحٍ من النقص فيها، على سبيل المثال لا الحصر:
“ألم وهم الأطراف:”
لم تستطع النظرية تفسير مايُعرف ب ألم وهم الأطراف، بل وقد كان من عواقب الأخذ بتلك النظرية لتفسير ذلك الألم أن تمّ بتر المزيد من العضو المبتور سابقًا لدى مريض يعاني من تلك الآلام إلى أن لم يبقى شيء ليُبتر والألم مازال مستمرًا.
” ألم وهم الأطراف عند المصابين بالشلل السفلي:”
ألم وضغط ساحق، تيار ناري يسري لأسفل الرجل والقدم ويخرج من الأصابع، ألم كضغط حشر سمين داخل الأنسجة ولفها بفوة ثم اقتلاعها فجأة. كلها أوصاف للآلام التي تراود معظم المصابين بالشلل السفلي في المناطق التي لاإحساس فيها بسبب الإصابة!.
“Causalgia and neuroalgia”
وهنا نترك لكم التساؤل والتأمل .. !
وغيرها الكثير!!!!!
وهاهنا سنستعرض عدة جوانب فندت هذه النظرية:
الإثباتات الإكلينيكية:
⁃ فشل التدخل الجراحي المتمثل ببتر باقي الطرف المبتور في إزالة ألم وهم الأطراف بشكل دائم.
⁃ ارتفاع مستوى عتبة الألم pain threshold كرد فعل ناتج عن محفزات خفيفة جدًا وغير مؤذية بل اعتيادية ليدخل المصاب في حجيم من الآلام المرتفعة الشدة والطويلة المدة، ومن المحال أن يتم تفسير هذه الظاهرة بكون المستقبلات الطرفية للألم تعاني من حساسية شديدة فقط hypersensitive nociception!.
⁃ظهور مناطق جديدة غير المنطقة المصابة مُثارة بالألم برغم عدم وجود خلل نسيجي بها.
⁃ الألم الناتج عن hyperalgesic skin والذي قد يحدث بعد مدة من انتهاء المُحفِّز ويستمر حتى بعد إزالته والذي يعاني منه بعض أصحاب الألم المزمن لايمكن إرجاع سببه إلى تنشيط الألياف بطيئة السرعة بل من المنطق تفسيره بمفهومي الspatial and temporal summation.
الإثباتات النفسية:
كم من قصص نُشِرت لجنود مصابين بإصابات جسدية كبيرة بدون وجود ألم أصلًا!، هنا القيمة النفسية للنجاة من الحرب تغلبت على أي إحساس آخر. فكيف نصر على الافتراضات السابقة والتي تناقض هذه النتائج الواقعية! فمقدار وجودة الألم المدرك لاتعتد على المدخلات الحسية الجسدية فقط بل تلعب بها أيضًا المتغيرات النفسية داخل ال context.
الإثباتات الفيسيولوجية:
برغم وجود مفهوم التخصيص specialization في الجهاز الجسدي الحسي somatosensory إلا أنه لا يوجد أي دليل على أن تحفيز مستقبلات حسية معينة يعمل على تنشيط إحساس وحيد ومفرد في كل الأحوال وهو الألم. وبالرغم من أن بعض المسارات العصبية الطرفية والمركزية تلعب دور في الإحساس بالألم والقيام بتدخل جراحي لقطع جزء منها قد يجعل الألم يختفي مثل القيام بقطع في ال lateral spinothalamic tract إلا أن ذلك لايعني أنها المسبب الوحيد للإحساس بالألم على أي حال.
بعد هذه الإثباتات والتحليلات مارأيكم بالنظرية وتطبيقاتها. المناقشات المبنية على فهم الفيسيولوجيا الحقيقية والجوانب العلمية الأخرى تستحق منها تأمل ونظر وإعمال.
“Nociception is neither sufficient nor necessary for the experience of pain”
د.فارس العضيبي
أستاذ مساعد واستشاري التأهيل والعلاج الطبيعي بجامعة الملك سعود
أعلق على هذه العبارة المهمة لتعطينا فرصة في فهم الألم بشكل أفضل وقبل أن نبدأ لابد من التفريق بين اشارات الخطر nociception و الألم pain فالأول (اشارات الخطر) صادرة من مستقبلات الخطر الموزعة في عدة مناطق في اجسامنا بينما الثاني (الألم) فهي استجابة صادرة من المخ لوجود خطر محتمل
سنعود لتوضيح ذلك ولكن دعونا نتحدث قليلا عن نظام عجيب ومدهش يحتوي على مليارات الخلايا (الخلايا العصبية) ويمتد عدة كيلومترات ليغطي جسمنا بالكامل. هذا النظام شديد التعقيد وفائق القدرة يتيح لنا استخدام الجسم للتفاعل مع البيئة المحيطة والتحكم في وظائف الجسم وبنفس الوقت يحمينا من الخطر.
بعد تطور العلوم التكنولوجية اتسعت رقعة المصادر المعلوماتية وأخذت كل المعلومات بالانتشار بشكل مهول, الجيد والسيء, الصحيح والمُزيف. وفي خضم هذه الثورة المعلوماتية لابد لنا من اتخاذ سلاح فعّال للتفرقة بين الجيد والرديء لئلا ندخل في دوامة معلوماتية زائفة توقعنا في أمور لايُحمد عُقباها حتى على المدى البعيد. فعلى سبيل المثال لا الحصر, كل يوم تقريبًا يتم تداول رسائل واتسابية تفتي في مرضٍ معين أو علاج جديد أو تفسيرات لظواهر معنية, وكل تلك المعلومات قد تكون مغلوطة أو مفهومة بشكل خاطئ ولكن كيف لنا أن نُفرق بينها؟, نستطيع ذلك عن طريق معرفة العلم لكي نميزه عما سواه من زيف ولغط, ولأن الشيء يُعرف بضده, نستطيع معرفة الزائف عن طريق تمييز العلم الحقيقي.
حصة(ح) ربة منزل في الأربعين من عمرها تعاني من آلام مزمنة و تتلقى جلسات العلاج الطبيعي؛ فيدور هذا الحوار بينها و بين الأخصائية (أ) المعالجة لها.
(أ):كيف حالك خالة حصة؟ هل كل شيء على ما يرام؟
(ح): بخير لكني أواجه صعوبة في إنجاز أعمالي المنزلية على الوجه المطلوب.
(أ):منذ متى بدأت تواجهنا تلك الصعوبة؟
(ح): في أول أيام شهر رمضان
(أ): مثل ماذا تلك الصعوبة؟
(ح): مثلا بالسابق أستطيع إنجاز أعمالي المنزلية بأكملها مع القليل من التعب، و لكن الآن أنجز بعض الأعمال و أضطر إلى تأجيل بعضها من شدة التعب.
(أ) :كم من الوقت يستغرق منك إنجاز أعمالك سابقا؟
(ح): قرابة الساعتين.
(أ):و الآن؟
(ح): حوالي أربع ساعات.
(أ): حسناً هل يوجد أحد يساعدك في إنجاز تلك الأعمال؟
(ح): كانت لدي عاملة و لكنها سافرت قبل حلول رمضان بأيام قليلة.
(أ):هل تحرصين على الغذاء الجيد أثناء ساعات الإفطار؟
(ح): بعض الأوقات.
(أ): هل تنامين كفايتك من الساعات؟
(ح): أسعى جاهدة لذلك. ولكن ماعلاقة كل ذلك بقدرتي على إنجاز أعمالي؟
(أ):سؤال جيد و في جوابه يكمن حل مشكلتك؛ إذ تشير الدراسات إلى أن القدرة على الأداء بشكل عام تعتمد على عدة عوامل منها:
▪ *السلوكيات الغذائية*
▪ *مستوى النشاط الاعتيادي*
▪ *عدد ساعات النوم*
▪ *الدعم الأسري و الاجتماعي*
▪ *و غيرها مثل وجود أمراض أو أدوية معينة*
أي أن حل مشكلتك يكمن في الموازنة بين تلك العوامل. حيث أن الدراسات تثبت أن الصيام في رمضان لا يؤثر سلباً على القدرة على الآداء طالما تمت المحافظة على العوامل السابقة أو قد يكون التأثير طفيف جداً.
(ح): أرجو التوضيح أكثر
(أ): حسناً قبل رمضان كنت تنجزين المهام المنزلية في ساعتين مع وجود العاملة ولكن خلال رمضان أصبحت تنجزينها في أربع ساعات من غير وجود العاملة أي أن هناك زيادة مفاجئة في مستوى النشاط الاعتيادي مما يعطيك الإحساس الشديد بالتعب كردة فعل وقائية من الجسم. أضف إلى ذلك اختلاف سلوكياتك الغذائية و عدد ساعات نومك.
(ح): هل معنى ذلك أنه لم يعد بإمكاني إنجاز مهامي المنزلية؟
(أ): لا على العكس تماما، أولاً :من ضمن التغيرات الفسيولوجية التي تحدث في جسم الصائم خلال شهر رمضان انخفاض إجمالي الكوليسترول والدهون الثلاثية لدى الرجال وزيادة الكوليسترول الجيد لدى النساء مما يزيد القدرة على الأداء و يعود على الجسم بمنفعة وقائية. وهذا يدل على امتلاك جسم الإنسان قدرة تكيف عالية.
ثانياً: نستطيع مساعدة أجسامنا على الأداء بكفاءة عالية بأقل مستوى من الألم عن طريق تعديلات بسيطة على بعض السلوكيات المتبعة أثناء إنجاز المهام اليومية.
(ح): كيف؟
(أ):
▪توزيع المجهود على الوقت فبدلاً من إنجاز جميع المهام دفعة واحدة نقوم بتقسيمها أو إنجازها على دفعات يتخللها فترات راحة بسيطة.
▪ و بدلاً من الوقوف طوال وقت الأعمال المنزلية نقسم الأعمال بحيث ننجز بعضها من جلوس و الآخر من وقوف.
▪ يمكننا جعل أفراد العائلة تشارك في إنجاز بعض الأعمال.
▪ الحصول على قسط كافي من النوم و الراحة.
▪ اتباع برنامج رياضي أو أنشطة جسدية للمساعدة في الوقاية من الألم.
▪ اتباع برنامج ترفيهي لتقليل التوتر و الضغوطات.
(ح): أشكرك جزيل الشكر الآن بعد أن فهمت كل شيء يتوجب عليَّ إتباع إرشاداتك.
تخيل أن تكون مطارد من قبل أسد؟. كيف سيكون تفاعلك وردات فعلك مع هذا الخظر الذي يلاحقك؟ وهل ستعتاد على مطاردته إذا مابقي حولك لمدة تكفيك للاعتياد عليه؟
إن مواجهة الخطر ردة فعل طبيعية للجسم ولها تقنيات مدروسة وتفاعلات كيميائية تتكفل بخروجك من أي طارئ بأقل ضرر ممكن. فعلى سبيل المثال لا الحصر, عندما تواجه خطر الملاحقة من قبل أسد, فإن جسدك سسيقوم بإفراز هرمونات الخطر التي تتكفل بهروبك من هذا الأسد بأقصى سرعة بغض النظر عن وضعك الجسدي و لياقتك, ستركض بكل ماأُوتيت من سرعة, ستنبهر من قدراتك في تلك اللحظات.
في هذا المقال ترجمنا لكم – بتصرف – بعض المعلومات المهمة التي يجب أن يعرفها الناس عن ألم الظهر , كونه منتشر جدًا و قد يصاب الناس بالقلق بسبب عدم فهمهم لطبيعته بشكل جيد. هذه المعلومات سريعة و مبسطة قدر الأمكان لتسهيل مشاركتها و نشرها بين الناس و كلنا أمل بأن نساهم جميعًا في زيادة وعي المجتمع حول فهم ألم الظهر و طرق التعامل معه.
ترجمة الأخصائي : أسامة نهاري
مراجعة الأخصائية : سلوى حمدي
ملاحظات مهمة بخصوص ألم الظهر
المرور بتجربة الآم الظهر أمر طبيعي. من المرجح أن يصاب 20٪ من الأشخاص على الاصابة بألم الظهر سنويًا ، كما أن 80٪ منهم سيعانون من بعض آلام الظهر خلال فترة من فترات حياتهم، بل أنه في الواقع قديكون من غير الطبيعي ألا نتعرض للألم في حياتنا.
يمكن أن يستمر ألم الظهر لمدة تصل إلى 6 أسابيع – وهذا ربما أطول مما قد يتوقعه البعض-. لذلك إذا استمر الأمر قليلاً ، فلا داعي للقلق. الكثير من الآلام لا تدوم إلا لعدة أيام غالبًا، ولكن لا يزال من الطبيعي أنه قد يستمر لفترة أطول في بعض الأحيان.
على الرغم من أننا جميعًا قد نعرف شخصًا عانى من ألم في الظهر لفترة طويلة أثرت على ممارسته لحياته ، إلا أنه في الواقع قد يكون من بين 10٪ و 25٪ من الأشخاص الذين يعانون من آلام الظهر التي تستمر لفترة أطول من المعتاد. لذلك لديك احتمالات جيدة و في النسبة الأغلب انه لن يستمر لفترة أطول من 6 أسابيع.
لا يختلف ألم الظهر عن أي ألم آخر في أجسامنا مثل ألم الكتف أو الكاحل أو الركبة ، على الرغم من أن الناس يميلون إلى القلق و الخوف بسبب الم الظهر أكثر من غيره.
الألم بحد ذاته طبيعي ولا يجب القلق بشأنه. بل إنه آلية دفاعية لمساعدتنا. ولا يمكن العيش بدونه.!
شدة الألم ليست متنبأ جيد لوضع أو وصف الحالة الميكانيكية للظهر أو أي جزء من الجسم. يمكن أن يكون لدينا الكثير من الألم دون تغير ميكانيكي أو ضرر كبير في الظهر. ” كلدغة النحل. يمكن أن تكون لدغتها مثل الجحيم و لكن لا تضر بنا”.