الألم والمصفوفه العصبية – Neuromatrix

Standard

أي شيء يمكن اكتشافه أو الوصول إليه من قبل الدماغ ويتعلق بمدى تأثير الألم على أنسجة الجسم لديه القدرة على تعديل الألم. يجب مراعاة جميع العوامل المساهمة في تكوين تجربة الألم“.

(Mr Alastair James Flett, APAM, FACP, 2014).

 الألم من أكثر الشكاوى شيوعًا والتي قد تسبب إشكالاً للمصابين به. ولهذا أهدف وباستمرار إلى توسيع نطاق فهمي لعلوم الألم على أمل أن أتمكن من التعامل مع مرضاي وتثقيفهم حول الألم بشكل أفضل.

الغرض من هذا المقال هو تسليط الضوء على بضع نقاط قرأتها عن المصفوفة العصبية للألم ، والتي تعتبر جزءًا واحدًا فقط من اللغز عندما يتعلق الأمر بفهم التشريح العصبي والفيسيولوجيا العصبية للألم.

يعرف الألم بأنه تجربة حسية وعاطفية بغيضة مرتبطة بتلف الأنسجة الفعلي أو المحتمل ، أو موصوفة بمصطلحات تمثل ضرر كهذا (الرابطة الدولية لدراسة الألم ، 2014).

تنص نظرية المصفوفة العصبية Neuromatrix للألم على أن إدراك المنبهات المؤلمة لا ينجم عن مجرد استقبال الدماغ لإشارات الضرر الجسدي بشكل سلبي، ولكن من توليده الفعّال للتجارب الفردية من خلال شبكة من الخلايا العصبية المعروفة باسم المصفوفة العصبية. تم اقتراح النظرية بواسطة رونالد ميلزاك في عام 1990.

ronald melzack

حددت الأبحاث الحديثة القشرة الحزامية الأمامية أو Anterior cingulate cortex باعتبارها جزءًا مهمًا من المصفوفة العصبية.

كحال أي نظريه فهنالك نقد ينبع من افتقارها إلى الأصل المفاهيمي. على سبيل المثال: من الناحية التاريخية والفلسفية، ليست الأساسيات لهذه النظرية جديدة، ولا تختلف اختلافًا ملحوظًا في المبادئ الأساسية عن النظريات المعاصرة الأخرى المتعلقة بوظيفة الدماغ والوعي. — Chapman, C.R.

————————

ما توصلنا إلى فهمه هو أن الألم ليس دائمًا نتيجة لأمراض/ تلف الأنسجة ويمكن أن يحدث في حالة عدم وجود محفز ضار (محفز قد يهدد أنسجة الجسم الطبيعية) وحس الألم (عملية الترميز العصبي لمحفزات الألم أو process of neural encoding of noxious stimuli). الألم هو ناتج من الدماغ ويتأثر بآليات متعددة.

توضح الصورة أدناه المسار من حس الألم إلى الألم وكيف تمر الإشارة عبر الأعصاب الواردة (afferent nerve) ، إلى العقدة الجذرية الظهرية (dorsal root ganglion) ، ثم تمر في المسار الصاعد (ascending pathway) إلى مناطق متعددة من الدماغ حيث تتم معالجتها وتأثيرها على المسارات النازله (Descending pathway) لينتج الألم.

(The mechanisms of pain (Courtesy of Medscape 

(The mechanisms of pain (Courtesy of Medscape


الألم بغيض ويتطلب الاهتمام (Moseley , 2003).


لا توجد منطقة واحدة في الدماغ يتم فيها معالجة الألم، بدلاً من ذلك يُعتقد أن هناك سلسلة من الروابط العصبية المعروفة باسم المصفوفة العصبية أو NEUROMATRIX. حيث يُعتقد أن مصفوفة الألم تتكون من عدة مناطق ولعل أبرزها:

  • قشرة الجبهة الأمامية الظاهرة – dorsolateral prefrontal cortex
  • القشرة الجزيرية – insular cortex
  • القشرة الحزامية الأمامية – Anterior cingulate cortex
  • القشرة الحسية الأولية والثانوية – primary and secondary sensory cortices
  • المهاد – Thalamus

كل فرد لديه تجربة ألم فريدة (مصفوفة عصبية فريدة من نوعها) ، ولكن هناك بعض مناطق الدماغ (المذكورة أعلاه) والتي يظهر أنها أكثر نشاطًا في التصوير الوظيفي للدماغ.


القشرة الحزامية الأمامية anterior cingulate cortex اختصاراً ACC:

هي جزء من التلفيف الحزامي (cingulate gyrus) ويُعتقد أنها مسؤولة عن:

  • الوظائف الذاتية – autonomic functions (تنظيم معدل ضربات القلب وضغط الدم)
  • الوظائف المعرفية – cognitive function (ترقب المكافآت ، وصنع القرار ، والتعاطف ، والتحكم في الدافع ،والعاطفة).

يصفها موسلي (2003) بأنها مركز الحركة الذي يجعل البشر يفكرون “ماذا علي أن أفعل؟” فيما يتعلق بالألم ، يُعتقد أن ACC يوفر وصفًا عاطفيًا للألم وتنسيق استجابة مناسبة.


Prefrontal Cortex:

قشرة الفص الجبهي و هي جزء من الفص الجبهي (frontal lobe) وتشارك في تكوين الشخصية، خاصة فيما يتعلق ب:

  • التخطيط للسلوك المعرفي المعقد -complex cognitive behaviour 
  • تعبير الشخصية أو personality expression
  • صنع القرار أو decision making
  • السلوك الاجتماعي social behaviour.

الفص الجزيري أو insular cortex:

تم العثور على الفص الجزيري داخل الطيات العميقة للقشرة الدماغية (cerebral cortex) وتشارك في ربط العاطفة بالحركة. قد تتضمن هذه وظائف الإدراك والوعي الذاتي والوظيفة المعرفية والتحكم الحركي، أي أنها تشارك في فهم الأداء الفسيولوجي للجسم بأكمله.


المهاد Thalmus:

يعمل المهاد في نقل الإحساس بشكل عام، والإحساس المكاني spatial sense والإشارات الحركية إلى القشرة الدماغية، إلى جانب تنظيم الوعي، النوم واليقظة.


The primary and secondary sensory cortices :

تستشعر القشرية الحسية الأساسية والثانوية وتفسر الأحاسيس واللمس. عندما نتعلم عن القشرة الحسية الجسدية أو somatosensory cortex نتعرف على أُنَيْسيان أو homunculus (خريطة مناطق الجسم على الدماغ).


على الرغم من أن الباحثين ما زالوا يستكشفون التشريح العصبي للألم neuroanatomy of pain، فإن ما أخذوه من هذه المعلومات هو أن العديد من أجزاء الدماغ تشارك في هذه “المصفوفة العصبية” neuromatrix. 

يوفر هذا تفسيراً لتفرد تجربة الألم لدى كل فرد، وكذلك السبب في أن الألم المزمن قد يؤثر سلبًا على:

  • الحالة المزاجية
  • الوظيفة الإدراكية
  • تنظيم النوم
  • التفاعل الاجتماعي
  • احترام الذات
  • الوظائف المستقلة

ربما لهذا السبب يجب أن نعالج الألم من خلال “نهج بيولوجي-اجتماعي” أو  bio-psycho-social approach. إذا تعاملنا مع الألم من خلال وجهة نظر تشريحية فقط، فقد نفقد الصورة الأكبر للتجربة التي قد يعيش معها المصاب ..


هناك عاملان قد يسهمان في بناء تجربة الألم المزمن:

  • عوامل حس الألم الثابت – Constant-nociception factors
  • عوامل حس الألم غير الثابت (المعرفي العاطفي) – non-constant nociception factors cognitive-affective)

والتي تؤدي إلى تنشيط المصفوفة العصبية للألم لفترات طويلة.

عندما يستمر الألم ،يخضع كل من المسبب للألم والجسم الافتراضي لتغييرات عميقة، مما يزيد من حساسية المدخلات الضارة وغير الضارة ويؤثر على المخرجات الحركية” (Moseley ، 2003 ).

يؤدي النشاط المطول للمصفوفة العصبية إلى تعزيز النشاط التشابكي (synaptic activity)، وتوسيع مجالات مستقبلات الألم وتقليل عتبة تحمل الألم (pain threshold) حيث تصبح المحفزات غير الضارة سابقًا مؤلمة مع الوقت (non-noxious stimulus)، وكما قد تؤثر على إشارات الجهاز العصبي المركزي بحيث يصبح الشعور بالألم أسرع و لا يذهب سريعاً حتى مع المؤثرات البسيطة مثل اللمس العادي و هو ما يعرف بـ central sensitisation حساسية الجهاز العصبي (موسيلي، 2003).

الشيء المهم معرفته هنا أنه حتى أبسط المحفزات الخارجية قد تكفي لتحفيز المصفوفات العصبية و بالتالي الشعور بالألم ومن هنا ينبع التحدي الذي قد يواجهه هؤلاء المرضى في مواجهة وفهم عدة أمور منها:

  • العلاقة غير الواضحة بين المحفزات التي قد يتعرض لها الجسم و شعور الألم الناتج.
  • نوبات تهيج ألم يصعب التنبؤ بها.
  • ضعف التحمل للنُهج العلاجية المعروفة.
  • مشاكل في تطوير القدرات البدنية والوظيفية.
  • صعوبة في تعميم المكاسب العلاجية على أنشطة حياته الأخرى.

كيف نعالج المصفوفه العصبية NEUROMATRIX  في الألم المزمن؟

اقترح موسيلي نهج تقليل حساسية الجهاز العصبي تدريجيا (DESENSITIZATION) والذي يهدف إلى:

  • تقليل تهديد المدخلات التي قد تفعّل المصفوفة العصبية وبالتالي التقليل من كفاءتها في تهييج الالم.
  • استهداف مكونات المصفوفة العصبية غير المرتبطة بتحفيز الألم بشكل خاص.
  • التعرض للمهام الوظيفية ومواجهة العوامل المهيجة للألم بشكل تدريجي.

تقليل تهديد المدخلات التي قد تفعّل المصفوفة العصبية وبالتالي التقليل من كفاءتها في تهييج الألم

عادةً أي طرق علاجية يمكن أن تسمح بتهدئة الألم و المدخلات المهيجة للمناطق الخاصة به وطالما استخدمت بالشرح الصحيح وفي الظروف العلاجية الملائمة من المناسب اعتمادها للتحكم بالألم على المدى القصير. وقد يُستثنى من ذلك الطرق العلاجية عندما تُقدّم للمريض بشكل قد يهيّج المصفوفة العصبية (بسبب تقديمها بشكل غير مناسب أو دقيق علميًا على الأرجح).

فعلى سبيل المثال عند استخدام العلاج اليدوي وغيره لتقليل المدخلات المزعجه التي تُسهم في تهييج ألم المريض. هذا النهج لا يزال مناسبًا عند إقرانه بالتثقيف الصحيح للمريض فيما يتعلق بالغرض من العلاج (مثبط قصير أومتوسط المدى للألم).

لكن إذا ما قُدمت هذا العلاجات بشكلٍ يُوهم المرضى أنه يُصلح خللًا جسديًا محددًا “تحريك مفصل أو فك عضلة” أو بشكلٍ يوهم المرضى بفائدة علاجية خارقة فهذه العلاجات قد تصبح جزء سلبي يخلق في المرضى قناعات مؤذية مثل أنهم بحاجة إلى علاج لأن “أنسجتهم لا تزال تالفة” وهذا اعتقادٌ غير صحيحٍ لأنه كما ذكرنا سابقاً شدة الألم لا تتناسب دائماً مع مقدار التغيير والضرر الجسدي.

 ربط التحسن بحدوث تغيير جسدي معين غير مجدي هنا.

يجب أن يُركز تثقيف المريض على فسيولوجيا الألم.  يمكن لأي شخص معرفة ماهو الألم وفهم علم وظائف الأعضاء، التشريح العصبي وعملية الألم، وزيادة فهم الأفراد للألم هي الخطوة الأولى للحد من هذا التهديد.  يجب أن تهدف إلى تثقيف مرضاك حول تشريح الألم، وكيف يختلف الألم المزمن عن الحاد، وما تعنيه رسائل الخطر لأن هذا يُساعد المريض على إعادة فهم معنى الألم (reconceptualise the meaning of pain).

قد تتساءل كيف يمكن تحقيق ذلك عندما يكون التعليم مستهلكًا للوقت. لكن النتائج تستحق، يُعد شرح الألم مصدرًا ممتازًا للمرضى والمعالجين، والطريقة الرائعة لتثقيف المرضى هي تقديم هذه المعلومات بالشكل المتناسب مع قصتهم الخاصة.


استهداف مكونات المصفوفة العصبية غير المرتبطة بتحفيز الألم بشكل خاص

من المهم أن تعرف “قدرة التحمل السابقة للأنسجة” و “قدرة التحمل الحالية للأنسجة” عن طريق سؤال المريض عن وظائفه اليومية، التمارين السابقة،عوامل زيادتها وتخفيفها … إلخ.

حدد مقدار المدخلات/الأنشطة التي يمكن تحملها قبل الوصول لحد تنشيط الألم في المصفوفة العصبية في الدماغ وهو مايمكن الإشارة له بمصطلح “baselines “.

مصطلح baseline يُشير للحد الأقصى الممكن تحمله قبل الوصول لمرحلة الألم. أو يمكن أن نفهمه كالحد الذي يمكن أن نبدأ منه في رسم خطوط برنامج التأهيل للمريض. ممايجب الإشارة له أن تعيين هذا الحد عادةً ما يكون أصعب في حالات الألم المزمن مقابل الحاد لتأثر مرضى الألم المزمن به من عدة نواحي منها:

  • انخفاض مقدار قدرة تحمل الأنسجة أو تأثرها سلباً بعدة عوامل مثل قلة الحركة أو الاستخدام.
  • انخفاض قدرة مستقبلات الألم على التحمل قبل إطلاق أشارات الألم، مما يعني احتمال اتخاذها وضعيات دفاعية مبالغة في التعامل مع المحفزات الخارجية. – معاملة المحفزات غير الخطرة على أنها خطرة.
  • زيادة محفزات إشارات الخطر بسبب زيادة حساسية مكونات الجهاز العصبي للألم و العوامل الإدراكية المساهمة في تقييم مصادر الخطر مما قد يُحفّز -التهيّج مع محفزات غير خطرة-

خيارات زيادة الحد وتدرج خطة التأهيل قد تشمل زيادة وتقليل هذا الحد وفق استجابة الفرد يمكن ذلك بالتحكم بعدة عوامل محيطة بتجربة الألم كما هو موضح في المخطط التالي :

استخدم الفحص البدني لمراقبة المستوى الحالي للمريض واستراتيجياته الحركية لتسليط الضوء على أي إستراتيجيات للحركة/ والممارسات غير التكييفية والتي قد تُسهم في زيادة الألم أو تمنع المريض ​​من زيادة مستوياته الوظيفية.  ومن الأمثلة الشائعة، استقرار العضلات “الأساسية” مع الاعتقاد بأن زيادة القوة لهذه العضلات Core Muscles يؤدي إلى انخفاض آلام الظهر بينما لم تجد الأبحاث العلمية ارتباطاً سببياً واضحاً بين قوة العضلات ونسبة التعرض لألم الظهر.


التعرض للمهام الوظيفية و مواجهة العوامل المهيجة للألم بشكل تدريجي

هذا الجزء أعتقد أننا جيدون فيه بشكلٍ عام، إذ نقوم بمهمة مؤلمة ونُعلّم المريض كيفية بناء التحمل مع هذا النشاط بشكل تدريجي وتشجيع تقنيات التقدم الذاتي self-pacing technique .


المرجع :






اترك رد