لماذا بعض العلاجات الغير فعالة قد تبدو مفيدة أحياناً ؟

Standard

-مقدمة عامة-

السؤال الأساسي الذي سيطرح في هذا المقال وسيتم مناقشته من عدة جوانب هو لماذا العلامات و الأعراض تتحسن أو يبدو لنا بأنها تحسنت حتى لو لم يحدث ذلك ، على الرغم من أن العلاج ليس ذو تأثير فعال ؟ هل هذا التأثير مهم دائماً ؟

بين بدء العلاج وجلسة المتابعه للتقييم حالة المريض ، يحدث تحسن حقيقي و قابل للقياس للأعراض في كثير من الأحيان حتى لو كان العلاج غير فعال تمامًا. كيف يحدث هذا؟

قبل البدء بالجلسه العلاجيه او اعطاء دواء جديد يجب ان يتم إزالة مسبقة للإحتمالات الأخرى التي قد تؤثر على فعالية واستجابة المريض للجلسه العلاجية .


بداية لماذا يجب أن أهتم بمعرفة هذا الشيئ ؟

ليس كل تأثير يظهر مهم أو خاص بعلاج معين , و من المهم معرفة الفرق قبل أعتماد علاج ما على انه فعال يعتمد الكثير من رواد الطب الشعبي , البديل و الزائف على هذه التأثيرات للترويج لأنفسهم و من المؤسف ان عدد من المختصين قد يخدعون بهم أو يرتكبون نفس الخطأ…

  •  قد يستغل البعض هذا التأثيرات لنسب فضل التحسن لعلاج مكلف أو غير مثبت علمياً و هنا قد يصبح من السهل الأنخداع بهم.
  • لا يمكن أن نضمن بقاء هذه التاثيرات , أغلبها مؤقتة رغم كون بعضها مكلفة.
  • الأنخداع بها و الأتكال عليها قد يؤخر اللجوء للعلاج المناسب في الوقت المناسب.
  • الأنشغال بالنتائج المؤقتة -كتخفيف الألم- قد يعيق التركيز على فهم و حل الصورة الكاملة للمشكلة
  • هذه العلاجات الغير مثبتة علمياً تستنزف الكثير من الموراد جسدياً , نفسياً , اجتماعياً و مادياً.
  • الشعور بالتحسن لا يعني دائماً أن الشخص قد يتحسن جسدياً فعلاً و تزداد خطوره هذا الشيئ اذا كلما المرض خطيراً.

توجد الكثير من التفسيرات و لعل من أهمها :

  • التاريخ الطبيعي للمرض و ردة فعل الجهاز المناعي Natural history :

اولاً يجب على كل ممارس ان يعرف التاريخ الطبيعي للأمراض -فسولوجية الأمراض- الثديات لديها أجهزه مناعيه متطوره ، وغيرها من الآليات الفعالة للإصلاح الذاتي التي تميل للعودة لوضع التوزان homeostasis تلقائيا مع الأمراض الشائعة الغير خطيرة مثل بعض انواع ألالام الظهر و الزكام.  و بالتالي ،فإن الأعراض البيولوجية للاضطراب تختفي او تتحسن عادة بغض النظر عن كيفية (أو ما إذا كانت)تعالجت.

الأمراض التي تأتي و تذهب ممكن ان تعطي ايحاء خاطىء للمريض والمعالج ان العلاج فعال .

 

– طبيعية بعض الحالات المتذبذبة – Regression to the mean :

بعض الأمراض مثل الخشونة , ألتهاب الروماتيزوم , التصلب اللويحي تمر بفترات تهيج حادة و نجدها متذبذبة بين فترات هدوء اعراض و فترات تهيج , و عادة ما يلجأ المريض لطلب العلاج خلال أسوء فترات الألم , و عند فهم طبيعيه هذا النوع من الأمراض عادة ما نفهم بأن فترات التهيج تميل لأن تخف تدريجياً للمعدل المعتاد للمرض حتى بدون علاج. سوء فهم سبب تحسن الأعراض و نسبه لعلاج معين لمجرد انه أعطي في نفس الوقت قد يسبب عبء مستقبلي على المريض و الممارس الصحي – ربط التحسن بالشيئ الغلط – و هو ما يقودها للمغالطة التالية ..

 

  • مغالطة التبعية أو ربط شيئن معاً لمجرد ظهورها وراء بعض :

تمسى هذه المغالطة : Post Hoc, Ergo Propter Hoc و الذي يعني  (“after this, therefore because of this”)  حدث بعده اذا هو المسبب , كما ذكرنا أعلاه , عندما يتبع علاج ما مرض ما فأن فضل التحسن قد ينسب خطأ للعلاج رغم عدم استحقاقه أو تداخل أحد العوامل المذكورة في هذا المقال في حدوثه. نفس الخطأ قد يرتكب عندما يتم ربط الأصابة بأخر حدث تعرض له المريض فقط بسبب التوافق الزمني بينها.

Correlation does not imply causation

  • التشخيص الخاطئ :
  • قد يحدث أن يزرع معالج سواء صحي أو شعبي تشخيصاً خاطئاً في دماغ المريض و بعد أن يقتنع المريض به يبدأ برسم خط علاج له يخرجه منه. شائع جداً كما يحدث أن يربط بعض ممارسي الطب الاستيوباثي أغلب مشاكل الجسم بنظرية تحريك الجمجمه التي لم تثبت علمياً و يقنع المريض بأنها منشأ مشكلته و حلها في علاجه بالاستيوباث. مثال شائع في الطب الشعبي عندما يتم ربط أعراض مرض ما بخرافة شعبية و ايهام المريض بأنها حلها عند هذا المعالج فقط.

-استخدم المنطق عند البدء بالجلسه مع المريض :

يجب على كل ممارس صحي ان يستخدم المنطق logic وهو مجموعة القواعد المنطقية الصحيحة. إذا كنت تستخدم المنطق الصحيح والافتراضات الصحيحة ، فسوف تأتي الاستنتاجات الصحيحه ما إذا التحسن كان بمفعول العلاج فقط و عزلة باقي العوامل او أن التحسن عبارة عن عناصر متفاعله كما ذكرت في السابق ! استخدام المنطق والابتعاد عن مايسمى الإنحياز التأكيدي” (Confirmation Bias)، “ورسوخ الاعتقاد” (Belief Persistence) مهم جداً.

“A man hears what he wants to hear, and disregards the rest.”

-الانحياز التأكيدي والرعايه الصحيه :

بغض النظر عن جذورها التطوريه و النفسيه كيف يظهر الانحياز التأكيدي ما إذا العلاج فعالاً ؟

هناك عوامل تؤدي الى الانحياز التأكيدي اولاً “الرغبة”

ﻧرﻏب ﻓﻲ ﻧﺟﺎح اﻟﻌﻼج ﻷن اﻟﻣرض بغيض وغير مرغوب

. إذا لم تهدأ العلامات / الأعراض بعد العلاج ، فيمكن للمرضى تقليل عبئهم النفسي على الأقل من خلال تفسير الأعراض الغامضة بشكل إيجابي ، ومن خلال الإبلاغ (و الإيمان) بشعورهم بالتحسن . قد نرغب أيضًا في نجاح العلاج لأن الفشل يمكن أن يوحي باستثمار سيئ للوقت والمال.

 

-ماهي الأسباب الأخرى التي من شأنها ان تؤثر ما إذا كان العلاج فعالاً ام لا؟

بالنسبة للعديد من الأسباب التطورية و الدافعية و الإدراكية ، يميل البشر بشكل طبيعي لـ confirmation bias. نحن عرضة لمراقبة و تفسير وتذكر الأحداث والمعلومات بطرق تؤكد كل من رغباتنا وتوقعاتنا. في سياق الرعاية الصحية ، هناك العديد من الأسباب التي تدفع كل من المرضى والممارسين إلى الرغبة في نجاح العلاج ، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى ظهور انطباع فعال عن العلاج عندما لا يكون ذلك فعالا.

 

-العوامل المحيطة :

العوامل المحيطه التي يمكن أن تخفف الأعراض المدركة ، العديد من سمات الحياه اليوميه ، بشكل عام ، يمكن أن تكون بمثابة مسكنات نفسيه . على وجه الخصوص ، قد يتداخل المريض مع عنصر او اكثر من عناصر الرعاية الصحية إلى تقليل القلق ، مشاعر السيطره المتزايده ، المفهوم الإيجابي الأكثر واقعيه للمشكله . اي من هذه العناصر يمكنها أن تلهم المريض ان يعبر عن تحسن الأعراض لديه.

مهما كانت ثقتك بأنك قد فسرت النتائج السريرية فإن المصلحه الذاتية و حدود الإدراك قد تمنعك من القيام بذلك .

-اثر الوهم ( Placebo effect ):

الأيحاء بفاعلية علاج ما قد تقنع الطرف الأخر بها و قد يعزز هذا حدوثها في الحالات الشائعة الغير خطيرة.  ما تعلمهُ علماء الأعصاب من خلال النهج الإجتماعي و النفسي ان placebo -تأثير الوهم ليس مادة خاملة. بدلا من ذلك، فهي تُشكل من خلال كلمات و طقوس علاجيه مختلفه ، وكذلك عناصر رمزيه التي بدورها تؤثر على دماغ المريض – جو الجلسة العلاجية , معطف الطبيب الأبيض , لمسة الممرضة اللطيفة , عبارات الأخصائي المهدئة للقلق كلها عوامل تلعب دوراً مهماً في تشكيل أثر البلاسيبو. . علماء الأعصاب يستخدمون عبارة placebo response كنموذج يستطيعون من خلاله فهم كيفية عمل الدماغ ، و في الواقع، من خلال هذا النموذج تم إنشاء نهج ممتاز لفهم وظائف الدماغ العليا ، مثل: expectations and rewards.  

يمكننا القول أن التأثير الوهمي « is a melting pot of ideas for neuroscience

هل يكفي الأعتماد على تأثير البلاسيسبو ؟؟

للأسف الأعتماد المطلق على الأثر الوهمي له عدة سلبيات منها :

  • الأمانة الأخلاقية في شرح العلاج للمريض
  • كلما كانت الحالة خطيرة كان الأعتماد على الاثر الوهمي مضر و مؤخر للعلاج المناسب لا أكثر 
  • الأثر الوهمي ضربة حظ قد لا يمكن التنبؤ بنتائجها و في الممارسة الصحية يجب الأعتماد على المنهج العلمي الواضح- قدر الإمكان- 
  • الأثر الوهمي قد يجعل المريض يشعر بالتحسن و لكن هذا لا يعني بأنه قد يتحسن فعلاً دائماً.

 

ختاماً قد لا ينحصر الأمر على تأثير واحد ولكن العديد من التأثيرات العلاجيه الوهميه وليس هناك أليه واحده لعملها ولكن العديد من آليات عبر مختلف الظروف و التدخلات العلاجيه , القدرة على تميز التأثيرات العلاجية المهمة من غير المهمة له دور كبير في توفير الكثير من العبء المادي , النفسي , و الجسدي أو الأجتماعي على كل من المريض و الممارس الصحي.


لماذا نحتاج لتبني المنهج العلمي , مقال سابق للأستزداة أكثر : 

لماذا نحتاج أن نتبنى الطب المبني على فهم العلم ؟


مراجع :

اترك رد