لماذا تعامل بعض المشاكل المزمنة لدى الشابات على أنها … ” دلع ” ؟!

Standard

بقلم : سلوى حمدي 

أخصائية علاج طبيعي


 

 

 

علي أن أصمت .. !!

لا أستطيع بأن أشتكي ..

يعتقدون بأنني أمزح ..

تدهورت حالتي لأني كلما اشتكيت تعرضت للتوبيخ من كبار السن :

هل أنتِ عجوز ؟

لا تزالين في ريعان شبابك ؟

لستِ الحامل الوحيد في هذا العالم ؟

و ما لذي يعنيه تعرضك لآلام الظهر , كلنا نعاني منها …..

 

و

..

و

..

 

هذه ليست أكثر من بعض السيناريوهات التي تكررت كثيرًا علي خلال السنتين الماضية منذ أن بدأت عملي كأخصائية علاج طبيعي ..

سيناريو أخر ..

عندما تدخل مريضة كبيرة السن في عيادتي و تجدني أتعامل مع حالة ممن تتراوح أعمارهم من 5 – 25 سنة ، تبدأ عليها علامات التعجب ؟!

لماذا قد تزور فتاة بهذا العمر عيادة العلاج الطبيعي .. ؟

و لا أستغرب إستغرابها من منطلق الشائعة المعروفة بأن العلاج الطبيعي يستهدف كبار السن بشكل أكبر

و لكن دعونا نعود للسيناريو الأول و الذي خلق تأثير سلبيا بشكل أصبح من الصعب تجاهله ..

العديد من المريضات الشابات اشتركن في صفة * الخوف من الاعتراف * بتعرضهن لآلام الظهر بشكل مستمر أمام الجميع و أخترن البكاء بعيدًا عن الجميع للتنفيس عن هذا الهم المدفون في داخلهن ، لماذا ؟

لأنه و كما يصفن الوضع يتعرضن للتوبيخ و هو خلاف ما يأملن الحصول عليه عند عرض مشكلتهن على أهاليهم.

و قد شمل هذا الأمر تعرضهم لمشاكل أثناء الحمل بسبب هذه الإصابات المزمنة ، صحيح من الطبيعي أن تشعر الحامل بالألم في الظهر بسبب ضغط الجنين على العمود الفقري و لكن ما يراعيه الأخرين بأن في حال كانت الحامل تعاني من مشاكل سابقة في عضلات الظهر أو في العمود الفقري نفسه فإن نسبة الألم سوف تكون أشد بالنسبة لها ، و تراخي الأربطة المثبتة للظهر و الحوض قد يؤدي إلى تعرضها للإنزلاق الغضروفي بنسبة أكبر من الحامل التي لا تعاني من أي مشاكل سابقة .

و لهذا من الخطأ بأن نقيس الفرد الواحد بالأخرين ، كل فرد هو كيان منفصل ، كونته ظروف حياة أخرى !

و هذا الإختلاف قد يؤثر على قدرة تحمله و رؤيته للألم ، فما قد يعتبر عاديًا بالنسبة لشخص ما قد يكون خطرًا على الأخر !

و من أحد الردود الشائعة بين كبار السن على شكوى الشابات هو : خمول الشباب المنتشر في هذا العصر و من ثم يبدأن بالمقارنة بين قوتهم الجسدية عندما كانوا في عمرنا و كيف أنهن كن يقمن بأصعب أعمال المنزل و رعاية الدواب ( في القرى ) بدون أي شكوى .

حسنًا و مع مراعاة أن ليس من السهولة إقناع كبار السن لابد بأن نوضح أمر ما هنا …

بأن سبب سوء حالات كبار السن المفاجىء عندما يجتازون الأربعين هو أن الجسم وصل إلى مرحلة الإنهيار , فعندما تزورني مريضة تستغرب من ظهور خشونة مفاجئة بعد أن كانت قوية , فالأمر كله تراكمات على مر السنين و ستظهر الأعراض بمجرد أن يبدأ جسم المرأة بالدخول في سن اليأس .

صحيح ربما نسبة ظهور الأعراض أصبح سريعًا في هذا العصر و لكن يظل الخطأ في إصرار كبيرات السن على الشابات بالإستمرار بالعمل و الصموت عندما تشتكي و من هنا تبدأ نفس الحلقة السابقة !

 

لماذا إخترت طرح هذه المشكلة بالذات ؟

نظرًا لأنها كما بدا لنا أن لها تأثيران مهمان :

–           الجانب النفسي : فكبت المشاعر أو غياب إحساس المشاركة و التعاطف من الآخرين يؤدي إلى الكبت و هو من أكبر العوامل التي قد تقود إلى الإحباط و الإكتئاب لاحقًا.

إضافة إلى أن تجاهل المشكلة قد يؤدي لتأخر علاجها مما يؤدي إلى تخلي المريض عن الكثير من واجبات حياته خوفا من الألم *والذي هو بوجهه نظرة مسبب للسخط عليه من قبل الآخرين*

–           الجانب الجسدي : و ها نحن نسير في حلقة مفرغة !

مكابرة الألم = تفاقم المشكلة = توقف عن ممارسات نشاط الحياة العادية = تدهور الحالة النفسية = المزيد من الألم

 

دائرة-الالم

 دائرة الألم ( سلسة مستمرة مالم نوقف أحد عناصرها )


 

ما يحدث هنا ليس إلا جانب أخر من قلة الوعي بالإصابات الصامتة ؟

نعم لأنها صامتة و تراكمية لا يقتنع الأهل أحيانا بأنها مؤثرة حتى ينهار الفرد أمام أعينهم عندها يبدأون بالبحث عن العلاج و يبدأون بنسج قصص خيالية عن هذا الإنهيار المفاجئ و بكل تأكيد سببه ( عين حاسد أو سحر ).

نعم ، أؤمن بالعين و السحر و لكني لا أؤمن بنسب كل الأمراض لها حتى نجرب كافة المساعدات الطبية و نأخذ بكافة الاسباب و نتأكد من تاريخ تكوّن ( الإصابات التراكمية )

ماهي الإصابات الصامتة ؟

هي مجموعة من المشاكل الجسدية التي يمكن أن يتعرض لها الشخص بدون أن يشعر بذلك نتيجة لمجهوده الروتيني في حياته ، حيث أنها لا تظهر مرة واحدة و لكنها تتراكم على مر السنين و لا يشترط بأن تمر أكثر من سنة لكي تظهر الأعراض .

من أهم أسبابها الوضعيات الخاطئة المطولة و قلة اللياقة البدنية أو ربما أحيانًا التعرض لإصابه سابقه أو حادث قبل عدة سنوات ، حيث أن العضلات يمكن تكابر و تتحمل الألم و لكنها تصل في نهاية إلى نقطة الإنهيار و التي يبدأ الشخص بعدها بالشعور بوجود المشكلة حينها ستمتد نسبة الضرر إلى الأعصاب و العظام في حال استمر الشخص بالمكابرة ، و للأسف سوف تظهر بشكل أكبر عند تقدمه بالسن مما قد يؤدي لسهولة تعرضه لإصابات أكثر  إضافة إلى التأثير على مستوى حياته بشكل عام .

 

من أعراضها يختلف على حسب الجزء المعرض للإجهاد بشكل دائم و لكن الأغلب:

  • صداع مزمن بدون سبب
  • الإرهاق الدائم حتى مع ابسط المجهودات
  • رعشة بالجزء المصاب عند محاولة بذل مجهود ( علامة على ضعف العضلات )
  • تشنج العضلات من وقت لآخر
  • الشعور بثقل الجزء المصاب عند محاولة رفعه
  • الإحساس بالحرقان في العضلات
  • و قد يصاحب التنمل بعض الحالات المتطورة

 

ختاما إليكم عدة ملاحظات قد تساعدكم على التفريق بين الألم المزمن من *الدلع* و تذكروا كلما كان التدخل مبكرا كلما كانت النتائج أفضل :

( تثقيف نفسك أو مريضك بهذه النقاط قد يساعد في إقناع من حوله بأنه قد حان الوقت لمواجهه الألم و البحث عن الحلول )

  • استمرار الألم مع الشخص لأكثر من 3 أسابيع
  • تغير المزاج العام للشخص : مشوش متضايق .. ألخ
  • يلاحظ على الشخص التقليل من استخدام الجزء المصاب مثلا : المصاب في اليد قد يتوقف عن استخدام اليد المصابة إلا في الحالات الطارئة بينما الاشخاص الذين يعانون من ألم الظهر و الرقبة قد يتجنبون الجلوس المطول و ركوب السيارات ( نظرا لان الأعراض تظهر بمجرد الإستمرار على وضعية واحدة فيجد الراحة في تغير الوضعية كل 10 دقائق مثلا )
  • قد ينعزل بعضهم بسبب عدم تقبل الأهل لشكواه فيشعر بقلة الاهتمام .
  • عندما يتطور الألم فقد يصل لمرحلة الإستيقاظ من النوم بسبب الألم
  • لا يتحمل البرد كثيرًا , و تزيد الآلام في فصل الشتاء ( نظرًا لأن الأعصاب حساسة لدرجة الحرارة )
  • تزداد الأعراض بعد القيام بعمل معين فعلى سبيل المثال : ( عندما تقوم مريضة مصابة بإجهاد دائم بغسل المواعين فمن الطبيعي أن تضع الكثير من المجهود على مفصل اليد و مع الوقت تبدأ تشعر بنوبات الألم أكثر بعد كل مرة تغسل فيها المواعين )
  • أتخاذ لوضعيات شاذه أحيانًا ( محاولة لوضع أقل حمل على الجزء المصاب )
  • حاول الربط بين الأعراض الحالية و أي إصابة سابقة حتى لو قبل سنوات فعلى سبيل المثال إحدى مريضاتي تعرضت للسقوط بقوة اثناء اللعب قبل 5 سنوات و لكن الإنتكاسة ظهرت بعد الحمل نظرا لزيادة المجهود على الظهر و الحوض بينما هناك من تعرضت للسقوط في العاشرة من عمرها و لكنها لم تشخص نظرا لقله وعي الأهل و عندما وصلت 22 من عمرها أظهرت الأشعة بأنها تعاني من خشونة و تأكل متطور في مكان السقوط ( الحوض ) و الذي فسر للأهل فقدانها القدرة على المشي من شدة الألم في بعض الأحيان .
  • أربط بين النشاط اليومي و مكان الإصابة مثلاً :المعلمات اكثر عرضة للإصابة بمسمار القدم بسبب الوقوف المطول أثناء الشرح , اما موظفي البنوك مثلاً أكثر عرضة لإصابات اليد و الرقبة .

 


و ختامًا دعوني أؤكد لكم أن هذا المقال لا يجسد كامل المشكلة ، و أيضا لا يمثل الجميع و لكنها معضلة تستحق النداء فيها , فنحن نريد تعاطفًا لا شفقة مع معاناة الشباب و الشابات مع الألم المزمن لأنه مهما كانت ظروف حياتنا الحالية مسببةً للخمول لا يوجد أي شخص يستحق بأن يعاني لوحده ، لا يجب بأن نتنظر بأن يقع الفأس بالرأس قبل أن نبدأ بمواجهة هذه المعضلة .

دعونا نقف معهم و نمسك بأيديهم , لأن صحة كل فرد فينا تهمنا .

7 thoughts on “لماذا تعامل بعض المشاكل المزمنة لدى الشابات على أنها … ” دلع ” ؟!

  1. فعلا والله موضوع شامل لكثير ممايعانيه الشابات خصوصا في المجتمع الحالي والزجر والنقد .. فعلا نحتاج قدر اكبر من التوعية بهذا الشيء لكافة افراد المجتمع بحيث نتمكن من التقليل منها على الاقل ان لم نستطع انهاءها ..

    • نعم , كل الفئات تعاني و كل الفئات تستحق أن يفهم الجميع هذه المعاناة لتخفيف هذا العبء عنهم , شكرا لمرورك 🙂

  2. Mona

    مقالة رائعة و مهمة في زمننا … صحيح الوضعيات الخاطئة…هي من المسببات التي لا يمكن تجاهلها ولزوم التوعية بها قبل حدوثها ….

    • و الأهم ادراك ضررها لآن الأغلبية ليصدق بأن مجرد تراكم الوضعيات الخاطئه قد يؤدي لكل هذه المشاككل , و هنا تكمن بداية المشكلة .. شكرا لمرورك 🙂

  3. فعلا موضوع يستحق الطرح والمناقشة في ثناياه….. فأغلب شباب هذه الأيام أصبحوا يستخدمون معظم اجهزة التكنولوجيا من حواسيب و هواتف ذكية ، مما أدّى إلى تعرض هذه الفئة بشكل اكبر من غيرها إلى آلام الظهر والمفاصل والعضلات بسبب الجلسات الطويلة ووضعيات الجلوس الخاطئة..
    وعندما يبدأ الشاب او الفتاه بالشكوى من الألم يكون رد الوالدين انه بسبب الجلوس لفترات طويلة على الأجهزة الإلكترونية ،،، ويكون الحل الأنسب بالنسبة إليهم هو التوقف عن استخدامها واللجوء إلى مشاهدة التلفاز أو قرائة الكتب بدلاً من ذلك متغاضين عن فكرة أننا أصبحنا في عصر التكنولوجيا والتطور ولا بد من استخدام الوسائل الحديثة في التعامل والتواصل مع المجتمع..

    • صحيح كلامك , الحل لا يكمن في التوقف عن استخدامها بل و بالاحرى فمعرفه كيفية استخدامها و الوضعيات الاصح لتخفيف اضرارها , و طبعا الوالدين هم أهم العوامل المؤثرة في هذه الحلقة , لهذا عندما لا يتقبل شكوى الابن بجدية يؤدي هذا لعناده لهم و ربما شعورهم بالاحباط بسببهم !

اترك رد