لا تقل لي ” تخلص من عاداتك السيئة ” , علمني كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ (1)

Standard

بقلم سلوى حمدي

أخصائية علاج طبيعي


ما يحدث في عيادتنا دائما : نحن نعلم و ندرك بأن من الاسس المهمة للمرضى للسير بشكل مناسب في الخطة العلاجية هو تعديل نظامهم الحياتي بما يتناسب مع حالتهم المرضية أو اصابتهم أو ربما ذاك الألم المزمن الذي يزيد معهم دائما بسبب طبيعية عملهم .

صحيح قد توفق فئة بسيطة منهم في تحقيق هذا الهدف , و لكن رد الفئة الأغلب هو :

” أنا أحاول , بس ما في ما قدرت والله , شيء تعودت عليه سنوات مو سهل اخليه بسرعة !! “

هنا قد يكتفي الأخصائي بـ ” حاول مره , حاول عشر , حاول حتى تنجح ..

نظام حاول حتى تنجح جميل جدا , و لكن توجد به ثغرة للأسف .. وهي :

ليس الكل مقتنع بأنه سينجح مهما حاول !!

فما بالك عندما نتحدث عن شخص قد أنهكه الألم و قد أصيب باليأس بعد معاناة سنوات لم تجدي فيها نصائح الأطباء نفعا بالنسبة له .

هناك من لا يؤمن  بالتغيير من الأساس , و هناك من يندمج مع نمط حياته السلبي لدرجة يرى بأن التغيير بنفسه قد يكون مشقة .

و لكن هذا للآسف خلاف ما فطر عليه عقلنا البشر , نحن نملك ما يفوق الألأت سرعة و مرونة , تلك الكتلة الصغيرة الموجودة في جماجمنا و التي لا تشكل الا 20 % من وزن جسمنا .

معجزة كونية لا زالت تدور حولها الكثير من الاستفهامات حتى الأن , و نقطه ضعفنا تكمن في ضعف استغلالنا لهذه الطاقة الخارقة الموهوبة لنا من الخالق .

فقد أثبت دراسات كثيرة *سأقوم بوضع مصادرها على نهاية المقال* بأن الدماغ يمتلك قدرة قوية على التكييف اضافة الى التعويض في حال تعرض الانسان لخطب ما .

أو بما يعرف بـ ” Neuroplasticity” .

المشكلة تكمن في ان الاغلبية لا تؤمن بهذا بشيء , و من المؤسف ان الممارسين الصحيين يندرجون تحت هذه القناعة أو ربما جزء منهم .

عندما نتحدث عن التغيير فأنا لآ اقصد فقط قوه تردد في محاضرات التنمية البشرية فحسب , لا و لعلمي بأن هناك من لا يؤمن بماهية التنمية البشرية و أسسها فدعوني أوضح بأن مقالي هذا أستند على اسس علمية و ليس مجرد محاولة تشجعيه فارغة .

حسنا قبل أن ننتقل الى الخطوات العملية دعوني أحدثهم عن هذه القدرة بشكل أكبر , لعلي أكسب قناعاتكم و هو الجزء الأهم في القصة !

لماذا ؟

لأنك بكل تأكيد لن تمضي في طريق لم تقتنع به أصلا ..


 

دعوني اركز محور حديثي عن العادات ؟

كيف نكتسبها ؟

كيف يستطيع البعض التخلص من عاداتهم السيئه بينما يرى البعض بأن هذا الشيء مستحيل ؟

حسنا أين تنشأ عاداتنا ؟!!

بالتأكيد الجواب سوف يكون
الدماغ : سلاحنا السري الذي لم نحسن يوما استغلاله , و كبتا قدراته الخارقة بحججنا الواهية جدا ..

الدماغ

مالذي يحدث هناك يا ترى , كيف يتحكم بها الدماغ ؟ و هل هذا التحكم خارج عن سيطرتنا ؟

توجد بالدماغ مليارات النواقل العصبية و التي بدورها على تحقيق التواصل التام ليس فقط بين الدماغ و الجسم بل و ايضا بين اجزاء الدماغ نفسه .

epilepsie-neurones

و الجدير بالذكر بأنها هذه النواقل العصبية ليست ثابته التركيب كما كان العلماء و الاطباء يعتقدون في القدم , حيث وضعت نظريات مثل :

  • تركيب الدماغ ثابت جامد لا يتغير و يتوقف عن النمو بعد مرحلة معينة .
  • عندما يولد طفل بحالات تخلف عقلي فأنه سوف يعيش بقية حياته هكذا
  • عندما يتعرض شخص ما لجلطة فأن أمل استعاده وظائفه المعدومة ضئيل جدا

حسنا , الكثير من الحقائق ظهرت لاحقا لتثبت العكس و ربما أبرزها هذه القصة التي تحدثت عنها هنا , و هي لطفلة ولدت بمشاكل عقليه و الان تعيش حياة طبيعية .

هنا

انا لا أريد أن اركز عن الحالات المرضية هنا , بل أريد أن اصب تركيز المقال على العلاقة بين مرونة النواقل العصبية ببعض الاحداث الطبيعية في حياتنا و أولها هو :

التعلم أو اكتساب عادات أو مهارات جديده

انظروا جيدا لهذه الصورة ما لذي تلاحظونه؟

1

 

 هذا تبدو مجموعه من الزوائد العصبية المتصلة ببعض ..

يتضح جليا بأنه كلما تقدم الشخص بالعمر , كلما كبرت الزوائد العصبية و ازادت تعقيدا ,

اذا هنا ننفي النظرية الأولى التي تنص على أن الدماغ ثابت لا يتغير !

و لكن لماذا ؟

لماذا تنمو و تستمر بالنمو كلما تقدم الطفل بالعمر ؟

.

.

فكروا قليلا بالأمر و ستجدون اجابه منطقيه جدا , فالطفل عندما يولد لا يوجد بدماغه أي شيء ..

لا مهارات

لا مواهب

لا تجارب معينة

لا شيء , و لا حتى ادنى فكرة عن ماهيته ؟!

و لكن مع تقدمه بالسن و مع التجارب التي يعيشها تبدأ النواقل العصبية بتوثيق هذه الأمور و تخصص كل مجموعة منها بتطوير هذه المهارة على مر الزمن , طبعا بشرط أن يستمر الشخص بممارستها , فحال تتوقف عن ذلك سرعان ما تنحل و تقصر حتى تختفي الزوائد هنا .

لنأخذ الرسم على سبيل المثال :

giphy (1)

يوجد الكثير منا ممن ولد بموهبة الرسم , فلو قمنا بعمل أشعه رنين مغناطيسية لدماغ الرسام فسوف نجد بأن منطقة تحكم اليد في الدماغ * وهو العضو المستخدم بالرسم* لديه أكبر من اقرانه العاديين و لكن بمجرد أن يتوقف صديقنا الرسام عن ممارسة هوايته فهذه المنطقة تصغر شيئا فشيئا حتى تختفي أو ربما يبقى القليل منها , و لهذه قد يجد صعوبة في العودة للرسم عدة سنوات لاحقة .

و من هذا المنطلق أثبت لنا بأن الرسم لا يجب أن تكون موهبة فطرية و هي قابله للاكتساب حتى في الكبر .

و الان دعوني أريكم خريطة الدماغ التي تحدثنا عنها قبل قليل و سوف نتأكد معا من كيفيه تشكلها على حسب عاداتنا اليومية مما يثبت لنا بأن تغيير العادات السيئة ممكن جدا و ربما أقرب إليننا مما نتصور .

ملاحظه : هي مجرد خريطة وهمية لتوضيح مناطق التحكم بأعضاء الجسم 

homunculus

 

وهو ما يطلق عليه ايضا بـ “الرجل الصغير” و كلنا لدينا مثل هذا الرجل الصغير التخيلي في ادمغتنا !

motor-and-sensory-homunculi-peter-gardiner

حسنا من خلال الصورة دعوني أطرح عليكم بعض الأسئلة:

لماذا تعتقدون بأن عضلة اللسان أخذت مساحة كبيرة جدا من خريطة الدماغ؟

وهل تعتقدون بأننا لو قسنا خريطة الدماغ لشخص أبكم سوف نجدها بهذا الكبر!

.

.

بالتأكيد لا سوف نجد فرقا كبيرا ، لان سبب كبرها هو أن *ثرثارون* باختصار فهي أكثر العضلة حركة في الجسم , هذا اضافة للعضلات التي تشتغل على الدوم لمضغ الطعام .

I_am_talking

 

mr-bean-eating-gif

ومن منطلق مهاراتكم وعاداتكم اليومية أستطيع أن احزر شكلا تخيليا لخريطة الجسم لكل شخص:

فعلى سبيل المثال منطقة الاصابع قد تكون أكبر لشخص يكتب رسائل الجوال باستمرار أو رسام أو عازف.

tumblr_lbm40zlSd11qb7evco1_500

منطقة القدم أكبر لدى لاعبي كرة القدم.

cacfbb3b

وهنا نجد تفسير لماذا قد نشعر بوجود ساعة أو خاتم كنا قد ارتديناها لفترة ونزعناه؟ ولماذا نبحث عن الجوال مباشره في الجيب أو نعتقد بأن أهتز حتى لو ما لم يحدث ذلك؟

ببساطه لأن الدماغ يكون زوائد عصبيه بسبب اعتياده على وجودها، وعندما نخلعها تأخذ هذه الزوائد فتره قبل أن تتفكك.

2

ولكن لكل شيء عيوبه كما له محاسنه:

فمشكلة الدماغ الاجدر بالذكر، بأنه يفضل دائما الطريق الأسهل والاقل جهدا

كسول جدا، أليس كذلك؟

ولهذا كان اكتساب العادات السيئة أسهل بكثير من غيرها بكل أسف.

دعوني أعطيكم مثال :

عندما تصاب بألم في يدك من كثرة استخدام الجوال، فالدماغ بشكل غير مباشر يرسل اشارات لعضلات يدك بالأ تتحرك كثيرا، هذا شيء جدي كبداية! لا بل مهم جدا لحمايتها من أي ضرر.

ومع الوقت ستبدأ بكل تأكيد باستخدام اليد الاخرى وسوف تركز عليها لإنجاز كافة مهامك.

لا بل يصل الحد بأنك حتى لو كنت أيمن ولا تجيد القيام بأعمالك الا بيدك اليمنى، فاذا تعرضت لمشكلة فيها فأن الدماغ سوف يقوم بتهيئة اليد اليسرى لأخذ مكانها ومع الوقت قد تصبح أيسر.

المشكلة هنا عندما تقلل من استخدام يدك المصابة حتى بعد شفائها، فأن منطقة التحكم بها في خريطة الدماغ سوف تصغر شيئا فشيئا ومع الوقت سوف تصبح ضعيفة مقارنة بالأخرى بسبب هذا الدماغ الكسول!

وعلى نفس النمط تأتي بقية العادات، ولكن الجدير بالذكر بأن تفريغ الدماغ من العادات السيئة مهم جدا قبل اكتساب عادات جديدة فأنت لا تستطيع جمع نمطين متضادين بكل تأكيد .

 


 

و من هنا يبدأ صراع البقاء : لتفكيك النواقل العصبية المسؤولة عن عادة سيئة و خلق النواقل العصبية المسؤولة عن عاده جيدة !

قد يحاول دماغك الكسول الوقوف بوجهك قليلا ,

لكن لا تخف ..

فكسر هذا النمط الكسول ممكن جدا , و ليس معجزة ممكن الحدوث و من هذا المنطلق نرى بأن الدماغ لديه امكانيات مبهرة كلما ما علينا فعله هو محاولة استغلالها لصالحنا , و قد ينبع عدم ايمان الاغلبية بقدرته على تغيير عاداته من جهله بهذه الموهبة الألهية و هذه الخريطة المرنة التي تخضع لسيطرتنا و ليس العكس , و ان كان شيئا أخر فانا لا أرى سببا أخرى سوى “عدم رغبتك” بالتغيير !

, و هو ما سوف أحدثكم عنه في الجزء الثاني من المقال , حيث سأركز على اجابة اسئلة مثل :

ماهي قواعد الدماغ العشرة التي وضعت كأسس محاولة تغييره ؟

أو اكتساب عادات جديدة ؟ و الأمر ينطبق على تأهيل مريض للعودة لممارسة حياته؟

 

ختاما :

وكل مأ أرجوه هنا بأن تجيبوني؟

هل تعتقدون من خلال الأمثلة السابقة بأنكم تستطيعون تغيير عاداتكم؟

أما مازلتم لا تؤمنون بقدرات ادمغتكم المرنة؟

إذا ما زالت تساوركم بعض الشكوك لا مانع لدي في التفصيل مستقبلا في الموضوع.

وكلي أمل بأن يحقق الهدف المرجو من طرحه بأذن الله

لاحقا.


المصادر :

Brain that changes itself by Norman Doidge

The Tell-Tale brain by V.S.Ramachandran

15 thoughts on “لا تقل لي ” تخلص من عاداتك السيئة ” , علمني كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ (1)

  1. Muntasser Abd

    يعطيكي العافية اخت سلوى حمدي
    موضووع رائع جدا
    والاكيد بالعزيمة والاصرار يتم تغير عاداتناا
    حسب ما نريد

  2. حبيت كلامك .. بس راجعي المقال لتصحيح الإملاء لأنه يشوه قيمة المعلومة والدماغ يشرد محاول تصحيح الخطأ الكتابي هههههههه … مقال ملهم ومحفز للكسالى وطبيعي حيغير جزء من تفكيرنا في العمق وإن تأخر هذا التغيير في الواقع

  3. ريم العطاالله

    من الطرق الحديثة لعلاج الالم هو تأهيل الدماغ عن طريق التمييز بين اليمين واليسار وهي ميزة يفقدها الشخص المتألم
    مثاله: شخص يعاني من الم في الكتف الأيسر عندما يستعرض صورا ليميز الكتف الأيمن والأيسر نجد لديه قصور في معرفة الجهة اليسرى وهي مايستطيعه الشخص السليم

    هي عملية حماية من قبل الدماغ ولكن احيانا الدماغ لايعلم ان المشكله قد انتهت ( وهذه هي المشكله)

    It/rt recognition

    هي طريقة تدريب الدماغ
    وهي وسيلة علاجية يلزمها متخصص مدرب في هذا المجال ومن أولى خطوات علاج الالم

  4. مداخلة غنية جدا و نقطة جميلة اضافه الى انها مثيرة للاهتمام،
    نعم اعتقد بأنك تقصدي استخدام طرق علاج مثل imagery او استخدام مرايا لعكس الجهه السليمة و خداع الدماغ بانها اليد المصابة و لكن استطاعت تجاوز هذه المشكلة، او ما شابه ذلك، لان ما يحدث ان الدماغ يختار الطريقه الاسهل لاداء الوظيفة و عندما يتعرض عضو لمشكلة يبدأ بارسال اشارات الم له لكي نريحه و تصبح مشكله عندما يستمر بارسال هذه الاشاره حتى بعد شفاء العضو و تتاثر خريطة الدماغ و يحدث كما قلتي تشويش في التمييز بين اليسار و اليمين و لهذا هنا يكمن الحل من وجهه نظري بداية باستخدام الاقناع النفسي خاصه Cognitive behavior therapy لجعل المريض يتوقف عن توقع الالم و الخوف منه لان قاعده الدماغ تنص على “انك تحصل على ما تتوقعه”
    و من ثم اللجوء لطرق اخرى منها هذه الطريقة لارغام الدماغ على اعاده تشكيل البرمجة التي كونها، سبق و جربت هذه الفكره و لكنك محقه في كونها تحتاج شخص لديه التفسير الكامل لكيفية تفاعل الدماغ و الذي قد يستغرق تعمقا في البحث بالموضوع لتجنب ارباك المريض اكثر، لان استخدامها يشكل عواقب الم نراعي عده نقاط..
    شكراً لمداخلتك، دمتي بود
    – سلوى حمدي

  5. PT.Bayan

    موضوع رائع ومهم لازم نركز على ادمغتنا لأنه سبحان الله الدماغ ربي حط في قدرات هائلة ماحد يقول أنا ما اقدر اتغير أو انا غبي كله هذا غلط دماغنا يتكيف مع كل شي نحنا نعطيه اياه لكن يحتاج وقت شكراً اختي سلوى على كتاباتك الرائعة والمهمه الله يكتب اجرك 🌹 🌹

  6. رهف

    كيف اتخلص من عاداتي السيئه ممكن تتكلم عليها بشكل اكبر كااساسيات يطبقها الشخص حتى يأتي بالنتيجه

اترك رد