إفهمني قبل أن تعالجني.

Standard

مدخل *:

هناك جزيئات بسيطة , تُبطل مشاريع كبيرة إذا لم تنتبه لها .

 

حاكاها : جاسر بن سعد ..


إفهمني قبل أن تعالجني :

مقدمة :

أضع أمام عينيك عزيزي القارئ أطبيباً كنت أم أخصائياً أم أحد اللذين تدور حياتي الصحية حولهم , كلاماً وتوضيحاً علّه يصل إلى قلبك وذهنك كما وصلت هذه الحروف لشفاهك التي تقرأ وتتمتم بها الآن , فأنا الذي تداعت عليه رياحُ الألم وتكابلت على عقله عواصفُ التفكير والإنغماس بالمجهول , تلعب بداخل جسدي أشياء غير مرئية فيترجمها مظهري فيصبح هزيلا وهشيماً كأن لم يكن بالأمس .

هذه رسالتي لك إنتبه لها  , فأنا أمانة الله في عنقك.

 

عاملني إنساناً:

لن أحاجك على أداء عملك أبداً , ولن يعاتبك أحد على ذلك , لكنّه شيء يمسّني وأحد الأشياء الرئيسية لنجاح العلاج سيَدي , أنا لا أريدك تشخيصاً لحالتي الجسدية فقط ,ولا أن تقيس لي ضغطاً ونبض ,  أنا لا أريدك أن تكون محافظاً على وظائف يدي وقدمي أو أن تُجلسني وتوقفني , فأنا لست آلة تحركها كيف شئت ,  أنا أريدك أن تعاملني إنساناً قبل ذلك .

أرجوا منك أن تضع جميع مشاكلك خارجاً  قبل الدخول علي فما أمرّ به لا يحتمل أن تضع حملاً عليه , لا تجبرني على أن أطأطأ رأسي للأسفل متحاشياً عبوسك , ولا تجعلني أتصنع الإبتسامة أمامك كي تتودد إلي , فإنها بالكاد تخرج وأنا لا أقوى عليها .

إن رأيتني مهزوماً فآزرني , وإن رأيتني منكسراً فاجبرني , لا أريدك أن تبتعد عنّي إن رأيتني في حالة إكتئاب أو قلق , لا بأس بأن تسحب أقرب كرسي وتحادثني , لا تعاملني جسداً خاويا , فإن بين الأضلع قلباً يحتاجُ إلى إنعاش كلماتك قبل يدك .

 

تحدّث معي ! وأعدك أنّ جُلّ أتعابي ستختفي .

 

لا تسقيني علقماً:

لا أحد يشكك أنّ من أخلاقياتك المهنية بأن تخبرني بالحقيقة وبكل شيء , وأنا في نفس الوقت لا أريد غير ذلك , لكن ما لا تعلمه هو أن طريقة الإخبار هي من أساسيات الأخلاق الإنسانية أيضاً , فمرارة الخبر كافية بحد ذاتها ولا داعي بأن تزيد الأمر سوءاً بأسلوبك .

لا تحدثني عن شيء لم تتأكد منه , فأنا لا أريد أن أمضي ليلتي بين مطرقة الخوف وسندان الترقب . لا تكن بارد القسمات وجافاً كأن شيئاً لم يكن أثناء نقلك الخبر , أظهر بعض الحزن لأجلي وواسني ببعض المفردات , فإنّ هذه اللحظات تكون محفورة في ذهني بكل حذافيرها وأشكالها .

إنتقي كلماتك أثناء المزاح فعقلي هشّ مُتعَب وقد يأخذها بمفهوم آخر , ولا تصف مشكلتي بعبارات تُشعرني بالإستهانة بها , إعلم يقيناً أنها لم تكن وليدة اللحظة مُطلقاً , وأنّها قد مرت بصراع فكر ترسبت نتيجتها معتقدات ومفاهيم .

وقولوا للناس حُسنا ” .

 

تحمّلني :

يؤرقني التفكير كثيرا , يجعل من عضلات صدري شديدة الإضطراب فينتج عن ذلك النحيب , أتقلب بين مراحل الفقد الخمسة فيرتفع العويل , وما بين مرحلة وأخرى لا أجد غيرك بعد الله من يفهمني ويحتويني  .

في مرحلة الإنكار أجد فيك اعترافاً بـأهميتي , وعند دورة الغضب تكون لي نقطة الهدوء , أنت الشيء المتفق عليه أثناء تقلّبي بالمساومة , وفي حالة الإكتئاب تُصبح بهجتي الوحيدة , وفي القبول نعلنها بداية حياة من جديد .

فتحملني وحدثني عن الأمل , عن الخيط المتبقي وإن كان متآكل ,عن القارب المثقوب وإن يكاد يغرق.

 

 

رسالة من مريض .

حقيقة *:

ما قرأتموه كان قليلاً من كثير لمرضى عانوا من هذا الجانب , إرتأيت أن أوصلها لكم بألسنتهم علّها تكون ذات وقعٍ أكثر , آملاً بوصول مضمونها إلى أفئدتكم وكُلّي ثقة بإنسانيتكم ومهنيتكم .

إلى اللقاء .

اترك رد