لنعمل بإحسان .. صرخة خريجة علاج فيزيائي #فضفضة_علاج_طبيعي

Standard

لا يخفى على الكثيرين الدور الواضح و البارز للفرق التطوعية في زيادة الوعي الصحي، وتثقيف الأشخاص والمختصين بشكل دائم حول كل ماهو مثبت علميًا، الصيدلة، الطب، التمريض، والعلاج الفيزيائي .. كلها ماذكرت منها ومالم أذكر، تقوم مجتمعةً على خدمة المرضى والوصول لأقصى دلائل الصحة للأفراد.

و من هذا المنطلق، قامت كثيرٌ من التخصصات بعمل تغيراتٍ منهجية وجوهرية في المادة الدراسية والمحتوى المطروح أكاديميًا، ولعلي أبالغ في قول ذلك لعدم إلمامي الكافي ببقية التخصصات. ولكني وفي مجال تخصصي فسأتجرأ بطرح بعض النقاط التي شاءت إلا أن تتمرد على أنظمةٍ أبت أن تتغير لتواكب الجدل الأبحاثي الكبير في المجال العملي.

إن التخبط والتعثر الكبير الذي واجهته في أول شهر في سنة الامتياز حفّز لدي الكثير من الاعتراضات التي لم أكن أعلم حينها سبيلًا لإيصالها لمن لهم شأنٌ ويد في تبديلها، ومن منصة PT ideas اليوم أرفع صوتي وأعلم بأنه سيصل، حتى وإن وصل متأخرًا أو ناقصًا ! 

إن تخصص العلاج الفيزيائي تخصصٌ واسع وكبير وفيه الكثير من الطرق والتقنيات لإيصال المريض لمنطقةٍ آمنة يستطيع فيها ممارسة نشاطه اليومي دون عجزٍ أو عائق، سواء كان هذا العائق متمثلًا بوجود ألم كما هو الغالب، أو ماإذا كان متمثلًا بوجود ضررٍ جسدي بسبب ضربة أو حادث لاسمح الله. و بعيدًا عن التقنيات الكثيرة المستحدثة منها والقديمة، فإن إحداث تغيير في المريض أمرٌ صعب ويتطلب مهاراتٍ عالية وبُنية علمية واضحة، و هذا ماتفتقر له معظم المناهج الأكاديمية .. 

*تنويه* الاعتراضات والتحليلات الآتية لاتمس جهةً أكاديمية بعينها ولا تستنقص برنامج دراسي محدد، إنما هي حصيلة تجارب مختصين عاصرتها في حياتي العملية القصيرة خلال فترة الامتياز. وإن كان في الآتي لهجة تهكم مزعجة فلكم حرية عدم الإكمال!

ندرس في الجامعة على مدى أربع سنوات مناهج تلقينية، لاتمشي متوازيةً مع مايُثبت ويُفند علميًًا من خلال الأبحاث والدراسات، ليصارع الطالب حين نزوله للميدان العملي شتى التخبطات. 

نفتقر للجانب التحليلي للمعلومة، ليأخذ الطالب المعلومة كشيءٍ مسلّم به وصحيح وعداه خطأ، لم نتلفت لكون الصح والخطأ “منطقةٌ رمادية”. ولم نُعلّم حينها بأن

Medicine is the science of probabilities and the art of uncertainty.

الكثير من النظريات نُشرت، استحدِثت أو فُنِدت، غُيّرت بشكلٍ أو بآخر وبقيت الحقيقة غير المتغيرة في العلم أنه متغير و غير ثابت!!

نوضع في عنق الزجاجة لمدة ثلاث سنواتٍ في قلب التخصص، مشردين بين موادٍ علمية كثيرة محشورة في نصف سنة دراسية، ليتسنى لنا بعدها أن نُعطى شهادة البكالوريوس في أربع سنواتٍ دراسية!. ولا اُخفيكم بأن استفادتنا من أغلب المواد لحظية، نحشرها في عقولنا لنُسيّبها على ورق الاختبار!، أوليس من الأجدى زيادة سنوات في مقابل إعطاء المادة العلمية في مجال التخصص حقها! 

نُعطى محاضرات أشبه ماتكون بالكتاب المقدس، الذي يصور لك شيء غير قابل للتغيير، حالة مدروسة بأعراض ثابتة وحلول بروتوكولية، لتصور للطالب أن المريض سيأتي له كما أُنزِل في الكتاب، بكل ماتحمله الكتب من مثالية. متجاهلةً في ذلك كوننا نتعامل مع إنسان، بمشاعر وأحاسيس وتجارب اجتماعية ونفسية وعملية. فترى الطالب في أول حياته العملية حينما تمثل أمامه حالة بعرضٍ مختلف متزعزع لايدري كيف يُفسر اختلاف عرض معين لمرضٍ معروف. 

ندرس الأمراض النفسية ويُسهَب في شرحها وطرق علاجها وحلولها، لنتمرس في تجميع طرق نفسية علاجية لأمراضٍ معقدة قد لا نواجهها أبدًا في المجال العملي، ولا نتعلم كيفية التعامل مع التقلبات *النفسية الطبيعية* للإنسان المتضرر الذي سيمثل أمامنا، راجيًا منا حلول نعجز عن الوصول لها في أحيانٍ كثيرة بسبب عدم فهمنا!

نحن نتعامل مع إنسان طبيعي يتعرض لضغوطٍ يومية ويتعايش غالبًا مع آلام جسدية مستمرة لسنوات، كوّنت في داخله تجربةً خاصة وردود فعل غير متوقعة تجاه عدة أشياء، وغُيّرت نشاطات دماغية كثيرة لديه بسبب هذه التجربة! لماذا لم يتم إفهامنا كيف لكلماتنا وتفاعلاتنا مع المريض أن تُجلي مابالمريض من معاناة أو تزيدها!



لماذا لم نتعلم أن الكلمات عبارة عن نشاطاتٍ عصبية!!؟ 

ندرس مادةً كاملة تحتل من الساعات أربعًا وقد تزيد، لطرقٍ علاجية الجدل عليها أكبر من أن يُتغافل عنه! ولعلكم توقعتم ماهذه الطرق! العلاج الكهربائي! وفي المقابل نُدَرّس التمارين العلاجية والفسيولوجية الكامنة وراءها في محاضرتين أو ضعفها فقط! 

نُدَرّس أن العلاج الفيزيائي فيه تقنيات سحرية، تُزيل الألم من أول جلسة، وبدون أسس علمية أو حتى تفسيرات منطقية، تُبهِرنا حينها المسميات والشروح المعقدة السابقة لهذه التقنية. لنركض ل”عم قوقل” باحثين عن شروحات أكثر لهذه التقنية ومنبهرين بشكل أكبر بالأسلوب المُتبَع والدقة الميكانيكية “كما يُزعم” التي تؤدّى بها! 

٪ اعترف بعض التقنيات المنتشرة فعّالة وبشكل يشبه السحر .. ولكن تفسيرات نجاحها ليست كما يُزعم في كل الأحيان..

#والنقطة التالية أُدلي بها من دون استنقاص لشخص بعينه أو طاقم معين .. 

يتم تدريسنا عن طريق طاقم تدريس البعض منه مؤهل نظريًا لهذه الوظيفة، تاركين بذلك فجوة بين الجزء العملي والنظري!. أكرر مرةً أخرى لااستنقص مالدى طاقم التدريس في كل الجامعات من معرفة وعلم، ولكن هناك فجوة كبيرة بين الجزء النظري والعملي.

 يواجه الممارس مع المرضى مواقف وتحديات كبيرة تؤهله لأن يُلّم بشكل أوسع بالنظريات المتعلقة بحالته، والتدخلات الملائمة له. لاتكفي النظريات سواءًا كانت مثبتة أم غير مثبتة إن لم يكن هناك تواصل حقيقي وعملي مستمر مع المرضى. المريض هو العلم هو المعرفة هو التشخيص المعقد الذي يؤهل الدارس للنظريات الطبية أو العلمية لأن يكون اختصاصي في مجاله. 

وأكرر طاقم التدريس البعض منه مؤهل نظريًا وليس عمليًا، لعدم نزوله للميدان بشكل دائم كما الممارس للمهنة والأجدى أن يتم تدريس الطلبة من قِبل ممارس ملم بتعقيدات الحالات وظروفها لتتخرج بذلك دفعة من الطلبة جاهزين للتعامل مع الحالات وتحليلها بشكل عملي.   تحديات الممارس اليومية مع مرضاه تكسبه تجارب وتزيده معرفة، فالمعرفة والتجربة عمودان تتكئ عليهما آلام المريض وإصاباته، فلنعمل عليها بإحسان، المسؤولية كبيرة والحِمل ثقيل!

أو ليس الأجدى بهم أن يُعلّموننا .. 

  • أننا نتعامل مع وحدة كاملة تتأثر بعضها ببعض، وتؤثر عليها العوامل الخارجية بكل مافيها من تغيرات بسيطة أو معقدة وليس أجهزة مُصممة يتعطب بها جزء فيُصلح في مدة وتعود لتعمل كما كانت!
  • أننا نحمل مسؤولية عظيمة تجاه مرضانا .. وأن حوائجهم إلينا من نِعم الله علينا .. فنتعامل معهم بإحسان، ونسعى لحاجتهم بكل ماأعطانا الله من علم وفهم وحكمة!
  • أن القاعدة الرئيسية لعلاج المرضى هي to do no harm.
  • أن الاستماع نصف العلاج إن لم يكن كله!
  • أن المريض سيدلنا على تشخيص حالته، وسيُعطينا مفاتيح علاجه بنفسه!
  • أن الألم لا يدل بالضرورة على وجود ضرر عضوي!
  • أن التقلبات النفسية، وتأثيرها على الجسد أمر وارد بل وشائع وطبيعي، وأن الطرق المناسبة للحد من هذه التأثيرات تتمثل بكذا وكذا! وأن المريض ليس “نفسية”!
  • أن الألم شيء حقيقي و واقعي، وليس المطلوب منا جعل المريض يتخلص منه نهائيًا، بل أن يتعايش معه بدون أن يؤثر على نشاطه اليومي وهواياته والأشياء اللي يُحب أن يمارسها!
  • أن الحركة بركة، حرفيًا أن الحركة بركة.
  •  أن الألم لايجب لزامًا تسكيته بالأجهزة الكهربائية والمساج وغيرها من الطرق السلبية passive treatment .. بل يمكن فعل ذلك بمناقشة أسباب الألم والعودة التدريجية للنشاطات اليومية والقيام بالرياضات المناسبة للمريض شخصيًا
  •  أننا يجب أن نفهم الجانب الفسيولوجي للرياضة وكيفية أداءها بشكل صحيح، ووصفها بشكل مناسب للحالة التي نتعامل معها.
  • طرق البحث العلمي وخطواته، وكيفية نقد البحوث لاستخلاص أقرب معلومة للحقيقة!
  • طرق الجدال العلمي، وكيف نحترم الرأي المخالف لنا حتى دون أن نتقبله، لأن الطرف الآخر له حق احترام فكره ورأيه لاتقبله!. والجدل واسع وكبير في العلوم الطبية و غيرها، والخطأ والصواب فيها نسبي، ولا شيء شخصي في ذلك!.
  • أن في كل تخصص مدارس ومذاهب وكل مدرسة لها طرقها وأدلتها التي تُثبت صحة طريقتها، فالأجدى بنا فهم النظرة العامة لكل مدرسة والأخذ بما يتوافق وعقولنا ونوعية مرضانا.
  • مهارات التواصل والتعامل مع الطرف الآخر!
  • كيف نشرح للمريض سبب ماهو فيه بدون أن نُضخم لديه شعور الخوف والانسحاب مما هو فيه، أو شعور الذنب أنه السبب مما يعانيه، أو الشعور الملح للحاجة للراحة وترك النشاطات الحركية التي يحب أن يمارسها في سبيل عدم تردي حالته.
  • أن وظيفتنا تكليف وليس تشريف! فليس لنا التفاخر بمسمياتنا بل علينا الإحساس بثقل مسؤوليتنا والعمل عليها بكل مافينا من إحسان!

وغيرها الكثير الكثير ممالايسعني هنا أن أُحصيه وأُلِم به. التغيير يتطلب وقت وجهد وصبر، ولكن يتطلب أيضًا سعي، ومن واجبنا كاختصاصين أن نعمل على إيصال صوتنا، لن يستطيع صوتٌ مفرد وإن اُستُعين بمكبّراتٍ صوتية أن يُحدث ضجةً وجلبة ويخلق ترددات كالتي تستطيعها الأصوات المجتمِعة!.
ولِنصل للإحسان في عملنا ويتقبله الربّ بقبولٍ حسِن لابد لنا أن نسعى للتغير ونطالب به مطالبةً مستمرة ولحوحة.
كان هذا صوتي، برغم ارتفاعه، إلا أنه لن يصل دون أصواتكم مجتمِعة.

اترك رد