كيف يمكن أن يؤثر الألم المزمن على الدماغ ؟

Standard
ترجمة بتصرف: بيان يوسف


نظرًا لنتائج الإحصائيات القائمة على دراسة عدد المصابين بظاهرة الألم المزمن ولأسباب غير معروفة في كثير من الأحيان فقد قام العلماء بدراسات حديثة للكشف عن الدور الجسيم الذي يلعبه الدماغ في كيفية حدوث هذا الألم، والذي بدوره قد يمهد الطريق للعلاج المبتكر.
يشكل الألم المزمن عبئًا اقتصاديًا و اجتماعيًا هائلاً ففي حين أن الكثير من الأدوية المسكنة قد تساعد في تخفيف الألم للكثير من المصابين، إلا أن الآثار الجانبية كانخفاض فعالية التأثير أو الإدمان تقود العلماء باستمرار للبحث عن علاجات بديلة وهذا ما أدى بهم إلى إجراء المزيد من الأبحاث عن دور الدماغ في الألم المزمن.
يدعونا ذلك أيضا جميعًا لتركيز النظر على منطقتين ذات أهمية في الدماغ وهي:
  •  thalamus ( المهاد )
  • prefrontal cortex  ( القشرة أمام الجبهية )

 


تعتبر منطقة المهاد بمثابة البوابة أو المحطة الناقلة مابين مراكز الدماغ العليا و الحبل الشوكي فبمجرد تعرضنا لإصابة حادة يتم إرسال المعلومات و الإشارات مباشرة من الجزء المصاب في الجسد إلى الدماغ من خلال منفذ يفتح أو ينشط في هذه المنطقة، الآن بعد معرفة ذلك نستنتج أهمية إغلاق هذا المنفذ. أولاً استجابة لحاجتنا للشفاء و الإسترخاء و العودة من جديد بعد إلتئام الإصابة أيًا ما كانت.
حسب دراسات عدة أجريت على عدد من المصابين بظاهرة الألم المزمن تمت ملاحظة بعض من التغيرات العصبية و هي كالتالي:
أولا أن المنفذ في منطقة المهاد استمر مفتوحًا أو نشطًا حتى بعد إلتئام الإصابة، هذا وبالإضافة إلى نقص في حجم المنطقة -Thalamus- وهو ماينتج عنه نقص في كل من الناقلات العصبية GABA والتي تلعب دوًرا مهما في تقليل النشاط الدماغي أثناء الألم و الخوف والقلق وتساعد في عودتنا إلى حالة الراحة والإسترخاء من جديد. كما لوحظ كذلك وجود نقص في حجم منطقة prefrontal cortex وهي المنطقة المسؤولة عن تنظيم المشاعر والشخصية و السلوك الإجتماعي و التفكير و هذا ما يعني وجود مزيد من النقص في الناقلات العصبية GABA كل شعور و كل إدراك و وعي سيتم تضخيمة و تجسيمه من هذا المنطلق حيث لا وجود لمثبّط كاف ليحد من ذلك فيستمر المصاب بظاهرة الألم المزمن بمكابدة الكثير من القلق والخوف و مع عدم قدرته على إطفاء هذا الشعور فقد فقدت المنطقة المسؤولة في دماغه و هي المذكورة آنفًا ميزتها في فعل ذلك.
و من هذه اللحظة يصبح القلق والإكتئاب والأفكار الإنتحارية مشاكل عظمى تلازم هؤلاء الأشخاص حيث أثبت إحصائيا أن عشرين بالمئة من هؤلاء الفئة قد حاول الإنتحار فعلا وهذا مايدل على عظم حجم هذه المعاناة فاستمرار شعور القلق بمساورتهم يدفعهم باستمرار لطرح تساؤلات حول ذلك ويرى بعض القائمين على هذه الدراسة أن إطلاعهم عن وجود هذه التغيرات الطفيفة في الدماغ المسؤولة عن وجود هذه المعاناة واستمرارها يساعد بالفعل في معايشة ومواجهة هذه الحالة بدلا من رفضها.
حيث يرى العديد من المرضى أن أسوء مايقومون بمواجهته هي الطبيعة الغير مرئية لهذا الألم من قبلهم و من قبل الآخرين يوضح هذا البحث أن التفاعل بين خلايا الدماغ قد تضرر بالفعل لدى الأشخاص المصابين بالألم المزمن و لكن قد نستطيع تغيير ذلك!
نستطيع إغلاق هذا المنفذ في منطقة المهاد بإستخدام عدة تقنيات و منها الإرتجاع العصبي ” وهو أحد التقنيات العلاجية المستخدمة في علاج الكثير من الأمراض النفسية والعصبية ويمتد تأثيره كذلك في تحسين القدرات الذهنية”. مع التركيز بأن خيارات أخرى موجودة تتضمن ضمان التحكم بالألم على المدى البعيد عن طريق التحكم بالعوامل المؤثرة به في نمط حياة المصاب.

أهمية الوعي – perception:

بعد إجراء بحث بواسطة د.تاشا من جامعة جنوب أستراليا على عدد من المرضى المصابين بإلتهاب خشونة المفاصل، تم إثبات وجود العديد من العوامل المفاجئة والمؤثرة على الألم مما تضمنها عامل الوعي؛ أي وجود تغيير في طريقة وعي المرضى بأجسادهم، وليس الموضوع مقتصرا على ذلك فقد تم إثبات وجود بعض المشاكل المتعلقة في الوعي باللمس أيضا فهم كذلك غير جيدين في تحديد مواقع الإحساس في أجسادهم واختصارا لذلك فالألم المزمن في هذه الحالات لم ينتج فقط عن وجود المفصل المتضرر ولكن انطلق من مستويات أعمق و عوامل أخرى يمتد تأثيرها من الدماغ و مختلف العمليات العصبية، أهمية إدراكنا نحن لهذا المفهوم يساعدنا في التعامل مع الألم بشكل أكثر فعالية للأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة، والحد من اعتمادهم على الأدوية بإيجاد الحلول البديلة و المساعدة و على ذكر ذلك فقد قامت د.تاشا بإستغلال هذه المعلومات في إيجاد طرق علاجية جديدة استهدفت فيها معالجة الوعي المسبب للألم تحديدا لدى هؤلاء المرضى وذلك بالقيام بتجربة مايسمى بالوهم البصري.
حيث يقوم المرضى بإرتداء نظارات فيديو يعرض من خلالها تصوير مباشر للركبة فيما يقوم الباحثون بتغيير المظهر الحقيقي للركبة سرا ، ينظر المرضى إلى أسفل ركبهم ليبدو لهم وهميا أنها بدأت بالاستطالة كما يقوم الباحثون في الوقت ذاته بإجراء شد بسيط على عضلات الساق فتقوم المعلومات المرئية و الحسية هنا بإخبار الدماغ عن إستطالة مفصل الركبة وتمدده و هذا ما أثبت فاعليته حقا في تخفيف الألم عند عدد من المرضى المصابين بإلتهاب المفاصل. حيث يدعم البحث الأدلة التي تشير إلى أن المعلومات القادمة من حاسة واحدة مثل البصر أو اللمس قد تقوم بتعديل و تغيير المعلومات القادمة من الحواس الأخرى، فيعمل الدماغ على جمع هذه المعلومات من حواسنا المختلفة ليخلق لنا الوعي أو الأحساس بأجسادنا وهذا ما يبرر فعالية العلاج بإستخدام الحواس.

-كيف نتحدث عن الألم؟

يوضح عالم النفس توبي نيوتن جون من جامعة سيدني أهمية تأثير التواصل والتفاعل الإجتماعي على الألم المزمن فحين يقوم شخص ما بوصف ألمه كنوع من المبالغة و يتلقى من شريكه استجابة بطريقة يجدها الشخص مرغوبة و مفيدة من الأرجح أن يميل أكثر لإظهار سلوكيات الألم في المستقبل أما إذا كانت الإستجابة من الشريك بعكس ذلك سيتضاءل إظهار هذه السلوكيات في المستقبل ومن المحتمل أن يتسبب الشركاء حتى بإعاقة المريض بسبب المساعدة العملية المفرطة.
رغم ذلك لايزال الدعم العاطفي مهًما جدا للأشخاص المصابين بظاهرة الألم المزمن،حيث أن هذا البحث لايدعو للتوقف عن مشاركتهم و دعمهم ولكن يدعونا فقط للإبتعاد عن الحديث المستمر حول الألم في محاولة التعبير عن مدى قلقنا وعنايتنا بهم. فبد ًلا من طرح السؤال “كيف حال ظهرك؟” يمكننا أن نسأل “كيف كان يومك؟” وبدلا من طرح السؤال “هل الألم اليوم أسوأ؟” من الأفضل أن نسأل “كيف تجد نفسك اليوم؟”

 للقراءة أكثر عن مفهوم الألم تفضل بزيارة هذا الرابط : الألم , رسائل لا تصل !

لقراءة المقال الأصلـي :

اترك رد