سياسة التوعية الصحية في مواقع التواصل

Standard

سلوى حمدي

أخصائية علاج طبيعي


 

يقف مجتمعنا العربي أمام مشكلة خفية ربما لم تعامل كمشكلة حتى الأن , لماذا ؟

لأنها غالبا تبدو لنا بمظهر حسن و انتقادها أمر صعب و ربما لأن من حاول أو سيحاول انتقادها حتى لو قصد المساعدة قد يعامل كـ “حسود” يغار مما وصل إليه الأخرين , و من ناحية أخرى هؤلاء الذين ساهموا في انتشار المشكلة قد لا يضمرون نية سيئة و لا يهدفون لإيذاء الأخرين و لكن هذا ما يحدث فعلا سوآءا اعترفوا بذلك أو لا .

و ربما الجهل المركب ” جهل الشخص بجهله ” من أكثر الأمور المنتشرة في مجتمعنا و لكن وجودها في منسوبي المجال الصحي يعد عاملا سلبيا في نقل رسالة التخصصات الصحية السامية , الجهل بحد ذاته لا يعد مشكلة طالما صححه صاحبه و لكن يغدو مشكلة خطيرة عندما يصر صاحبه على أن معلوماته حقيقة ثابتة متناسيا بأنه في مجال صحي و لا يوجد عذر يغفر له ذنب عناده هذا . . !

Doctors-Have-a-Heart-for-Social-Media


قبل أن أتطرق لعرض المشكلة .. دعونا نأخذ جولة سريعة على الوضع بشكل عام !

doctor-social-media-network

انتشرت الحسابات التوعوية في مواقع التواصل الاجتماعي و زادت فرص التطوع و الحمد لله أصبح بأمكان أي شخص أن يفتتح حساب تعليمي أو توعوي و يعبر فيه عما يجول في خاطره , من الجفاء أن ننكر الدور الذي لعبته هذه الثورة التكنولوجية في ايصال رسالتنا لأشخاص كثر حول المعمورة و يسرني جدا بأن رأينا في المملكة طاقات شبابية هائلة تسعى لوضع بصمتها في هذا المجال كما سبق و عبرت مرارا عن دعمي الكامل لاستغلال الناس للخيارات الموجودة أمامهم فيما يخدم مصلحة دينهم قبل تخصصهم و أنفسهم .

السؤال الذي يطرح هنا : إذا ماهي المشكلة بالتحديد ؟ ما لذي حدث؟

ما حدث بأن ضمن هذه الأهداف السامية يوجد طعم خطير قد لا يدرك البعض بأنه التقطه إلا بعد فوات الأوان و ربما تجد الأغلبية يجري لاهثا لالتقاط هذا الطعم و هو يعي و يسمع .

من الطبيعي بأن الأطلاق المفرط يصاحبه مردود سلبي و من الطبيعي أن تنجرف النفس البشرية عن أهدافها الأساسية عندما نقع في فخ ” المدح ” , “ الشهرة ” , ” جمع المتابعين ” , ” حصد الأوسمة ” .

ما حدث بأن جودة نقل المعلومات سواءا التوعية أو التعليمية تأثرت كثيرا سلبيا للأسف , و اصبح هدف “البعض” نشر المعلومات بغرض لفت الانتباه لا زيادة الشعبية بغرض نشر المعلومة نفسها .

ما حدث أيضا أننا نعلم جيدا بأن الثورة المعلوماتية في تجدد مستمر , و مازلنا حتى الأن نرى معلومات تم نفيها بدراسات تنشر كما هي , و أخرى وجد بأن نشرها بطرق معينة قد يفهم بطريقة خاطئة من قبل الناس و خاصة ذوي الثقافة العلمية الضعيفة .

الأمر نفسه ما حدث عندما يأتي مريض إلى العيادة و هو خائف جدا من أنه مصاب بورم خبيث لأن قرأ في “جوجل” بأن الأعراض التي يعاني منها لا تبشر بخير !!

 

عجبا , الكثير من الممارسين الصحين ينتقدون استعانة المرضى بالدكتور جوجل و تجد حساباتهم التوعوية كلها معلومات “جوجلية” أكل عليها الدهر و شرب .

shutterstock_12117595


 

دعوني ألخص بعض الأخطاء التي لاحظتها شخصيا مع الأخذ بالاعتبار بأن بعض مرتكبيها قد يكون لديهم الحماس و الهدف فقط ينقصهم القليل من التوجيه في كيفية التحقق من مدى فائدة نشر المعلومة مقابل ضررها :

 

–        بعض الممارسين الصحين ينقلون معلومات من حسابات الهوامير بدون الأخذ بالاعتبار هل هي صحيحة أم لا ؟؟ و الأسوء عندما تكون هذه المعلومة صحية من هامور ” غير مختص بالصحة” ؟؟ يحز بنفسي بأنهم يؤمنون بأن ما يقوله المشاهير حقيقة مجردة لا تقبل النقاش .

–        غياب طرق التفكير و التحليل الاستنتاجي في نقل المعلومة , فغالبا أجد حسابات تنقل معلومة صحية معينة و عندما تسأله ” كيف و ماذا .. و لماذا يحدث هذا ؟؟ ” تجده بأنه هو نفسه لا يعرف ما لذي يحدث هنا أصلا .

 

–        استعانة الممارسين الصحية بمراجع جوجلية غير مختصة من أكثر أسباب نشر المعلومات الغير موثوقة لأن جوجل مفتوح للجميع و بيد الكل نشر كل شيء فيه , كما أنه توجد مصادر و مواقع موثوقة اضافة للكتب للتحقق من أي معلومة قبل نشرها

–        توجد حسابات حتى الأن تنشر معلومات من التسعينات بدون النظر في جديدها .. !

–        الحماس الزائد قاتل , حدث فعلا بأن هناك طلاب و امتياز او حتى مختصين أعطوهم أنفسهم الحق في نشر معلومات و هم يفتقرون لأساسيات التخصص ! غير مهتمين بعظم هذه المسؤولية و الأمانة التي ألقيت على عاتقهم .

–        الأغترار بالمدح بشكل واضح , من الطبيعي جدا بأن يجد بعض هؤلاء مدحا و تقبلا في مواقع التواصل و ما يحدث بأن التقبل الحاصل هو بسبب جهل الناس و يجب على ممارس صحي أن يدرك ثقل كلمته بالنسبة للعامة و كيف بأن ثقتهم فيه يمكن أن تؤثر عليهم أما سلبا أو إيجابيا .

–        عدم مراعاة اللغة و الكلمات المستخدمة في التوعية مشكلة أخرى , فعندما يسئل مريض عن سبب ألم في ظهره و ترد عليه بصورة مرعبة لـ ” انزلاق غضروفي” أو وصف بأن أعراض لا تبشر بخير من مجرد رؤية الأشعة  , هل تتوقع بأن الأمر سيمر عليه بسلام ؟؟!!

بالتأكيد لا , و العديد من الدارسات أثبت بأن الكلمات المستخدمة في وصف حالة المريض تؤثر على قناعاته عن المرض و يؤسفني بأن هذا الجانب مهمل في كل الجانبين سواء على أرض الواقع أو في مواقع التواصل , كما أن الأشعة لا تكفي لعرض مستوى الألم فهي تركز على عرض جانب واحد من المشكلة فقط و لا تظهر لنا العوامل النفسية الأجتماعية الأخرى .

( للمزيد أقرأ هنا )

–        اتخاذ مواقع التواصل منصة للاستشارات الطبية له أضرار كثيرة و مع هذا منتشر جدا فلا يمكن أن تحدد حالة المريض تماما بدون فحص يدوي كما أن مواقع التواصل لا توفر مساحة كافية لأخذ المعلومات المفصلة أو قد لا يذكر لك المريض معلومة طبية تحدث فرقا كبيرا في وضع الخطة العلاجية ( مثال : قد يطلب شخص برنامج تمارين لألم في عضلة معينة و لا يخبرك بأنه يعاني من مشاكل بالتنفس أو ربما قد لا يعلم أسس تنفيذ التمارين فيؤدي تنفيذها بطريقة خاطئة إلى تدهور الحالة )

886e935627d845b8c2e9b3244b6c0ea9

–        تركز النصائح على وصف التمارين فحسب بدون أخذ التفاصيل في الحسبان و تجاهل التحدث عن الألم , نوعه , انتشاره , شدته .. ألخ . فالتمارين قد تزيد الألم اذا لم يتحكم به بشكل جيد .

–        الاعتماد على أنصاف المعلومات : من الطبيعي أن يحاول الشخص أكمال السيناريو عندما لا تشرح له حالته بشكل جيد ( و يستحيل أن تشرح جيد بدون الفحص المباشر للمريض وهو ما لا يحدث في استشارات مواقع التواصل ) و مع محاولة المريض وضع سيناريو معين لقصة ألمه تجد يبدأ بالوسوسة لنفسه : ربما هو المرض الفلاني .. ربما حالتي تزداد سوءا .. ربما يحب أن أتوقف عن العمل الفلاني .. ألخ

 


 

هذا القليل فقط مما رأيت و مما يحدث  و صدقوني تصحيح هذه الأخطاء ممكن و ما الغرض من ذكرها إلا للتركيز عليها شيئا فشئيا , إليكم بعض النصائح التي أراها مفيدة في هذا الشأن :

image_6019_1280px_8a27935c5061474ba1e97b0c9238409b

–         حدد أهدافك من افتتاح صفحة أو مدونة توعوية , هل أنت هنا من أجل نفسك ؟ أم من أجل الناس  ؟ لا مانع من دمج الأثنين معا في نطاق تطوير نفسك و إحداث تغيير .

–        لا تلجأ كثيرا للمواقع الغير مختصة في جوجل ,حدد مراجع و مواقع موثوقة أو مكتبة طبية يوصى بها و كن مستعدا للنبش فيها باستمرار كلما تلقيت سؤال ما , و لا تتردد في الاعتذار عن الرد اذا رأيت بأن الرد قد يكون مضرا .

–        المراقبة الذاتية مهمة : مثلا : (أحذف توتير عدة أيام مساويا لعدد الرتوتيت لتغريده وضعت فيها معلومة لا تثق بصحتها ) *هذا إن كنت تملك الجرأة و الضمير فأثق بأنك لن تتردد في محاسبة نفسك و معاقبتها .

–        التركيز على بناء شخصية الممارس الصحي التحليلية و الاستنتاجية حيث يجب أن نعتاد على تحليل المعلومة و عدم تقديسها كما حتى لو كان مصدرها دكتور عدد متابعيه مليون نسمة !! ( نعم عدد المتابعين أصبح مقياس لمصداقية الشخص )

 

–        عدم الاستخفاف بأهمية ” جودة المعلومة المقدمة ” قبل كل شيء

–        قبل أن تتهور أو يأخذ الحماس الزائد في الفتوى الصحية للناس راجع أساسياتك مع التخصص , أو على الأقل قبل أن تنشر معلومة معينة اسأل نفسه عدة أسئلة تتعلق بماهية هذه المعلومة , و هل يوجد احتمالية بأن تفهم بشكل خاطئ من قبل الناس ؟

–        لا تستعجل أبدا , نعم كلنا نريد أن نضع بصمة و لكنه سلم يجب أن نبدأ من الأسفل للأعلى لكل نتقن أسسه . و غالبا ما يحدث بأن الشخص الذي يبدأ من القمة سيقسط عاجلا أم أجلا “فقط لا تكن ذاك الشخص”.

–        ضع نفسك مكان مريضك سواء على أرض الواقع في عيادتك أو في توتير أو أي موقع تواصل ؟! ماذا لو كانت مراهقة عجولة تريد أن يذهب الألم و لا تعلم بأن أساس العلاج الطبيعي هو ” الصبر” ؟

–        لا تفترض بأنك ” تعرف كل شيء” يوجد دائما شيء جديد لا تعرفه حتى في مجال تخصصك

–        أرفع سقفك العلمي , لا تضع ببالك بأن قراءة عدة كتب أو حضور كورسات ضخمة تكفي لصناعة “عالم” في عدة اشهر , الخبرة هي مزيج من المعرفة و التدرب على تحويل هذه المعرفة لشيء مفيد في حياة مرضانا أو مجتمعنا بشكل عام

–        شخصيا لا أرى ما يمنع من تخصيص ورشات عمل أو ما شابه لنشر أسس التوعية و التطوع بما يناسب أخلاقيات المجال الطبي و يحد من الضرر المنتشر بسبب العشوائية في النشر حيث تركز أهدافها على استغلال مواقع التواصل لأحداث تغيير إيجابي .

–        ضع في بالك بأننا نضع معلومات توعية عامة لا تحمل دلالات بتنفيذها على وجه النص لذا ضع تذكيرا دائما ” يرجى مراجعة مختص و لابد من الفحص السريري

 

–      لا تنتقد لهدف الانتقاد فحسب , إذا لم تكن تملك دليلا أو تحليلا منطقيا لما ستكتبه فالمنطق يقتضي بعدم كتابته !

 

 تنبيه مهم : تعرف على المتاعب التي قد تواجهك قانونياً إذا لم تلتزم بأخلاقيات المهنة فعلى سبيل المثال لا تنشر صورا أو معلومات شخصية لمرضاك بدون علمهم .. !


 

و أخيرا , نعم يوجد فينا الحماس و تختبئ بيننا طاقات كثيرة لكن الفرق هو غياب التوجيه المبني على أسس علمية و المواكب لأخر التطورات البحثية و لعلي أذكر مثالا على عمق الفجوة بين التوعية لدينا و أخر مستجدات الأبحاث في مقال أخر .

مواقع التواصل قد تكون المنصة الأفضل للتواصل مع زملاء التخصص و التعرف على قصص و خبرات مفيدة طالما وضعت لنفسك مبادئ لا تحد عنها .

فقط أتمنى الا يأتي اليوم الذي أتمنى فيه ” شرطة معلوماتية صحية ” تراقب الحسابات المستهترة التي تضحي بأخلاقيات المهنة من أجل الشهرة لتضع اجراءات للحد من ضررها على المجتمع .


SMW

 

و في النهاية كل علمنا , دراستنا و شهاداتنا هي خطوات اجتزناها بفضل الله لنصل للمحطة الأهم و هو ” المريض” , و بما أن الله فضلنا بميزة القدرة
على وضع الأُثر الإيجابي في حياة الأخرين فلا أري عذرا لنتكاسل في بذل كل ما لدينا .

2 thoughts on “سياسة التوعية الصحية في مواقع التواصل

  1. منى

    هذي نصيحة واضحة و مفهومة لازم كل منا يأخذها بأمانة 😍 شكرا سلوى ..الأمانة في اداء المعلومة شي له اثره بشكل عميق

اترك رد